Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. بكري معتوق عساس

إبداع شاعر!!

بانوراما

A A
الأدب العربي مليء بالروائع من الأشعار والأخبار، ومن الروائع أن يُخَلَّد شاعر بقصيدة قالها، وأبدع فيها، وربما يخلد ذكره ببيت واحد أتى فيه بمعنى لطيف أو تشبيه لم يسبق إليه.

ومما قرأت في هذا ما قيل من أنَّ أبلغ بيت في الغزل في العصر الحديث هو قول الشاعر:

والسيف في الغمد ﻻ تخشى مضاربه..

وسيف عينيكِ في الحالين بتَّار.

فمن هو صاحبه؟، وما قصته؟

إنه الشاعر السوداني إدريس جماع، الذي نشأ نشأة دينية في كنف أسرته المحافظة، هاجر الى مصر عام 1947م ليدرس في كلية دار العلوم التي تخرج منها حائزاً على درجة الليسانس في اللغة العربية وآدابها عام 1951م.

يقال إنه ﻓﻘﺪ ﻋﻘﻠﻪ ﻓﻲ آﺧﺮ ﺃﻳﺎمه ﻭﺩﺧﻞ ﻣﺴﺘﺸفى ﺍﻟﻤﺠﺎﻧﻴﻦ، ﻭﺃﺭﺍﺩ ﺃﻫﻠﻪ ﺃﻥ ﻳﻌﺎﻟﺠﻮﻩ ﺑﺎﻟﺨﺎﺭﺝ، ﻭﻓﻲ ﺍﻟﻤﻄﺎﺭ ﺭﺃى امرأة» ﺟﻤﻴﻠﺔ» برفقة زوجها؛ ﻓﺄﻃﺎﻝ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﺇﻟﻴﻬﺎ والزوج يحاول أن ﻳﻤﻨﻌﻪ؛ ﻓﺄﻧﺸﺪ ﻳﻘﻮﻝ:

أعَلى ﺍﻟﺠﻤﺎﻝ ﺗﻐﺎﺭُ ﻣِﻨّﺎ؟

ﻣﺎﺫﺍ ﻋﻠﻴك ﺇﺫْ ﻧﻈﺮﻧﺎ

ﻫﻲَ ﻧﻈﺮﺓٌ ﺗُﻨﺴِﻲ ﺍﻟﻮَﻗﺎﺭَ

ﻭﺗُﺴﻌِﺪ ﺍﻟﺮّﻭﺡَ ﺍﻟمُعنَّى

ﺩﻧﻴﺎﻱ ﺃنتِ ﻭﻓﺮﺣﺘﻲ

ﻭمُنَى ﺍﻟﻔﺆﺍﺩِ ﺇﺫﺍ تَمنَّى

ﺃنتِ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀُ ﺑَﺪَﺕ ﻟﻨﺎ

ﻭاﺳﺘﻌﺼﻤﺖ ﺑﺎﻟﺒُﻌﺪِ عنَّا

وعندما سمع اﻷديب عباس محمود العقاد رحمه الله هذه اﻷبيات طرب لها، وﺳﺄﻝ ﻋﻦ قائلها، فقالوا له: إنه الشاعر السوداني (ﺇﺩﺭﻳﺲ ﺟﻤَّﺎﻉ) وهو الآن ﻓﻲ ﻣﺴﺘﺸفى ﺍﻟﻤﺠﺎﻧﻴن، فقال العقاد: ﻫذا ﻣﻜﺎﻧﻪ؛ ﻷﻥ ﻫﺬﺍ الكلام ﻻ يستطيع قوله ذوو الفكر والعقول.

ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﺫﻫﺒﻮﺍ بإدريس جمّاع ﺇلى ﻟﻨﺪﻥ ﻟﻠﻌﻼﺝ أُﻋﺠﺐ ﺑﻌﻴﻮﻥ ﻣﻤﺮﺿﺘﻪ ﻭﺃﻃﺎﻝ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﻓﻲ ﻋﻴﻨﻴﻬﺎ، ﻓﺄﺧﺒﺮﺕ ﻣﺪﻳﺮ المستشفى ﺑﺬﻟﻚ، ﻓﺄﻣﺮﻫﺎ بأﻥ ﺗﻠﺒﺲ ﻧﻈﺎﺭﺓ ﺳﻮﺩﺍﺀ. ﻓﻔﻌﻠﺖ، ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﺟﺎﺀﺗﻪ ﻧﻈﺮ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﺟﻤﺎَّﻉ ﻭﺃﻧﺸﺪ يقول:

وﺍﻟﺴﻴﻒ ﻓﻲ الغمدِ ﻻ ﺗُﺨشَى مضاربُه

ﻭﺳﻴﻒُ ﻋﻴﻨﻴﻚِ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺎﻟﻴﻦ ﺑﺘّﺎر

ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗـُﺮﺟﻢ هذا البيت ﻟلممرضة ﺑﻜﺖ بشدة.

ﻭقد ﺻُﻨﻒ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺒﻴﺖ بأنه ﺃﺑﻠﻎ ﺑﻴﺖ ﺷﻌﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻐﺰﻝ ﻓﻲ الشعر العربي في ﺍﻟﻌﺼﺮ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ.

وهذا الشاعر إدريس جمَّاع هو صاحب الأبيات الشهيرة التي يقول فيها:

إن حظي كدقيقٍ فوقٓ شوكٍ نثروه

ثم قالوا لِحُفاةٍ يومَ ريحٍ اجمعوه

صعب الأمرُ عليهم ثم قالوا اتركوه

أن من أشقاهُ ربي كيف أنتم تُسعدوه

توفي الشاعر إدريس جماع عام 1980م، وله الكثير من القصائد المشهورة، أدرج بعضها في مناهج التربية والتعليم المتعلقة بتدريس آداب اللغة العربية في بلده السودان، له ديوان واحد بعنوان «لحظات باقية». قال عنه الدكتور عون الشريف قاسم: «لقد كان شعر جماع تعبيراً أصيلاً على شفافيته الفائقة التي رسمت لنا الكلمات وأبرزت بجلاء حسه الوطني»، رحمه الله رحمةً واسعة.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store