Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محسن علي السهيمي

نعم.. الوطن يدفع فنكتب له!

A A
الكُتاب في مقالاتهم، والمغردون في حساباتهم، والشعراء في مناسباتهم، والواعظون في محاضراتهم، والمثقفون في أمسياتهم، والإعلاميون في لقاءاتهم.. كل هؤلاء وغيرهم يكتبون ويدوِّنون ويتحدثون عن الوطن وللوطن الذي غدا محورَ أحاديثِهم وقاسِمَهم المشترَك الأعظم وخاصةً كلما حلَّت ذكرى يومه الوطني المجيد. غايةُ قصدهم تماسكُ وحدته، وإبراز مكانته، وتعزيز الانتماء له. وسيلتُهم في ذلك الكلمةُ المؤلِّفةُ للقلوب، النابذة للفرقة، الكاشفة لكيد المتربصِين، المحفزة على اللُّحمة الوطنية، المُبْرزة لمنجزات الوطن، الحاثة على استكمال مسيرة التنمية والتفوق والإنجاز، الباعثة على التفاؤل بمستقبل أجمل له. لعل السؤال الماكر الذي يطرحه البعض هو عن الأمر الذي حملَ الكُتابَ وغيرهم ودفع بهم للكتابة للوطن والحديث عنه، فيأتي الجواب على شقين: الأول- أن الانتماءَ للوطن وحبه وبالتالي الكتابة له والحديث عنه بكل وسيلةٍ أمرٌ فطري في الإنسان، ولذا نجد الشاعر أبو الحسن علي بن العباس (ابن الرومي) يقول في رائعته عن الوطن:

وَلِيْ وَطـَـنٌ آلَيْتُ أَلاَّ أَبِيعَـهُ / وَأَلاَّ أَرَى غَيْرِيْ لَهُ الدَّهْرَ مَالِكا

عَهِدتُ به شرخَ الشبابِ ونعمةً / كنِعْمَةِ قومٍ أصبحُوا في ظِلالِكا

فقد ألِفَـتْهُ النفسُ حتَّى كأنهُ / لها جسدٌ إنْ بانَ غودِرْتُ هالِكا

من هذا يُعلم أن حُب الوطن أمر جِبِلِّي في الإنسان، مهما كانت ديانته أو مذهبه أو عرقه أو لونه؛ فالوطن يظل الهمَّ المشترَك لمواطنيه، والمركزَ الذي تلتقي عنده القلوب، وتتوحد حوله الأهداف، وتوأد عنده الخلافات. لذا فلا غرابة أن تُسطَّر له كلمات الولاء، وتُدبج فيه قصائد المدح، دونَ رغبةٍ في عطاءٍ أو ثناء، ودونَ انتظارٍ لأمرٍ أو توجيه.

الشق الآخر الذي حمَلَ الكُتاب وغيرهم ودفع بهم للكتابة والحديث عن الوطن يتعلق بعنوان المقال، وهو أن الكتابة عن الوطن والحديث عنه يَنظر إليها البعض على أنها جاءت نتيجةَ دفعِ الوطنِ للكتاب وغيرهم ما يجعلهم يكتبون له ويتحدثون عنه. والحقيقة التي لا تقبل الشك ولا وسيلة لدفعها أو نفيها هي أن الوطن -حقًّا- قد دفع -ولايزال يدفع- للكُتاب وغيرهم، وهو الأمر الذي جعلهم يكتبون له ويتحدثون عنه، (لكنه دفعٌ غير الذي في مخيِّلة طارحِي السؤال الماكر أعلاه)؛ فالكُتاب وغيرهم منذ أن كانوا أجِنَّةً في بطون أمهاتهم وهم يحظون برعاية وطنهم وذلك في مصحاته ومشافيه، ثم قُل ما شئت بعد ذلك عن الرعاية الصحية لهم وهم مواليد فأطفال فشباب فكهول، ثم قل ما شئت عن تعليمهم في مدارس التعليم العام والجامعي، وعن مواصلتهم دراساتهم العليا، وعن ابتعاثهم، وعن توفير الوظائف، وعن توفير وسائل الراحة والرفاهية والمرافق العامة والخدمات المتنوعة، وقل أكثر عن الأمن الذي يضرب بأطنابه في أرجاء الوطن وجهاته، وقل ذلك عن خدمة الإسلام وإقامة حدوده، وخدمة الحرمَين الشريفَين والحج، وعن الوحدة التي غدت مضرب المثل، كل ذلك وغيره بعضٌ مما قدمه الوطن لمواطنيه من الكُتاب والمتحدثِين وبقية المواطنِين، وهذا يمثل بعضَ الثمن الذي دفعه الوطن للكتاب وغيرهم وللمواطنِين كافة، وهاهم بدورهم يستشعرونه في كل مكان ومناسبة وآن.

الوطن دفع للكُتاب وغيرهم من مواطنيه كل شيء يجعل الحياة تطيب لهم وتصبح رخاءً وأمنًا وارفًا، وما ذُكِر مجرد نماذج بسيطة لعطاءات الوطن ولهؤلاء وغيرهم، ولذا نراهم من منطلق المواطنة الحقة والوفاء الصادق يكتبون له ويدافعون عنه بأقلامهم وألسنتهم، وذاك أقل الواجب مقابلَ بعضٍ من أياديه التي سَلَفتْ، ودَينه المستحَق.

بَوْح:

يا مَوطِنِي كُلُّ شِبرٍ فيكَ يأسرُنِي / وَذِي تَضاريسُهُ تَغفُو علَى بَدَنِي

في كلِّ سَهلٍ وفي وادٍ وفي جَبَلٍ / ألقاكَ يَا مَوطِني شَدْوًا علَى الفَنَنِ

ألقاكَ بُحْبُوحةً للأمنِ أيكتُها / تَشدُو بها الطيرُ ألحانًا على أُذُنِي

دوامُ عزِّكَ بالإسلامِ مَوثقُهُ / فلتَبْقَ يا مَوطِني شَدْوِي ومُفْتَتَنِي

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store