Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
حسن ناصر الظاهري

(نبع الآلام).. غزو تركي رفضه الكبار وأيَّده الصغار!

A A
لا يمكن لنا أن نصف ما فعلته تركيا من تدخل في الشمال السوري سوى أنه (غزو)، شبيه بغزو حلف وارسو لتشيكوسلوفاكيا 1968 لوقف إصلاحات التحرُّر السياسي، هذا الغزو السافر وغير المقبول من تركيا -بحجة رغبتها في إيجاد منطقة عازلة في الشمال السوري؛ وإعادة مليوني نازح سوري-، تم رفضه وشجبه من قبل معظم دول العالم، ولم تُؤيِّده سوى ثلاث دول ليس لها أي تأثير في السياسة الدولية، كدولة قطر وجيبوتي والصومال، وهي دول ليس لها مكان من الإعراب.

هذا الاجتياح التركي لم يكن مفاجئاً بالنسبة للمطلعين على السياسة التركية التي تطمح إلى عودة الامبراطورية العثمانية، فهم كانوا يُبيِّتون لهذا الغزو من أمدٍ بعيد، إلا أن وجود قوات أمريكية في الأراضي الكردية هو ما منعهم من الدخول إليها واحتلالها، حتى جاء الانسحاب الأمريكي الأخير من الشمال الذي أمر به الرئيس «ترامب»، وأثار غضباً عارماً في مؤسسة السياسة الخارجية الأمريكية وأعضاء الكونجرس، والذي لم يكن متوقعاً ليمنحهم هذه الفرصة، فدخلوا غزاة لملاحقة قوات سوريا الديمقراطية، بعدما تركت واشنطن الأكراد يُواجهون العملية العسكرية التركية وحدهم، الأمر الذي دعا الأكراد، بل وأجبرهم على أن يتوصَّلوا إلى اتفاقٍ مع النظام السوري والقوات الروسية بدخول الجيش السوري إلى مدينتي (بنبج وعين العرب)، ونشره على الحدود مع تركيا لمواجهة العملية العسكرية للجيش التركي والفصائل السورية المتحالفة معها، وهو ما أربك الحسابات التركية، ولم يضعوا هذا في حساباتهم، إذ أن دخول قوات النظام السوري مُعزَّزٌ بقرار مجلس الأمن رقم 2254 الذي يُؤكِّد بأن السلطات السورية تتحمَّل المسؤولية الرئيسية عن حماية سكانها.

كان الأكراد يُعوُّلون على القوات الأمريكية، مطمئنين لحمايتها لهم، وجاء توقيت الانسحاب ليُصيبهم في مقتل، فالرئيس الأمريكي ترمب لم يتخذ موقفاً محدداً في ساعتها حيال هذا الغزو، حيث توالت تصريحاته، وتغريداته، لتُناقض بعضها بعضاً، فقد قال بدايةً: «نحن قضينا على داعش 100%، وعلى سوريا أن تُواجه تركيا حماية لشعبها»، أعقب ذلك بتصريح صحفي قال فيه: «أنا على أتم استعداد لتدمير اقتصاد تركيا إذا واصل قادتها هذا الطريق الخطر المدمر»، والكل يعلم بأن العقوبات الاقتصادية في مثل هذا الظرف ليست بالحل المجدي والسريع، لكن انسحاب القوات الأمريكية يبدو أنه لم يرقَ لنواب الحزبين الديمقراطي والجمهوري الذين أكَّدوا بأنهم يسعون إلى إلغاء أمر الرئيس ترامب بسحب القوات الأمريكية من الشمال السوري.

لا أحد يعلم ما يُخبئه أثر هذا الاجتياح الذي قد تتجاوز تأثيراته حدود سوريا على أبعد ممَّا يتصوّره كثيرون.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store