Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
عاصم حمدان

جوانب إيجابية في حضارة الآخر

A A
إن الحضارة الغربية، والتي سادت العالم أجمع في كثير من جوانبها الإيجابية، أفادت من الحضارات الأخرى، ومنها الحضارة العربية الإسلامية عن طريق الجزيرة الأيبيرية (الأندلس). وللأسف فإن العديد من الأجيال الحاضرة والمعاصرة تركّز في استفادتها من هذه الحضارة على الجوانب السلبية والمظلمة فيها. واليوم في هذه المقالة نستشهد ببعض الجوانب الإيجابية؛ وخصوصًا فيما يتصل باحترام الآخر، وعدم صدِّه، أو التسبّب في ما يسوءه.

وتأتي هذه الأمثلة بداية بالجانب الإداري؛ ففي بلد كبريطانيا يعود فيه النهج الديمقراطي إلى أكثر من أربعمائة عام، فخلال الحرب العالمية الثانية نجد أن الزعيم المحافظ شيرشل يستشرف الأفق ويدخل في ائتلاف حكومي مع حزب العمّال، وبالمقارنة نجد أن شعبًا أبيًّا؛ مثل الشعب الفلسطيني، تختلف فيه التيارات المتصارعة، مثل فتح وحماس، برغم وجود القاسم المشترك الأكبر الذي من المفترض أن يوحدهما؛ ألا وهو مواجهة العدو الإسرائيلي، وإنهاء حالة الاحتلال الظالمة على الأراضي الفلسطينية العربية المسلمة، فرغم هذا المشترك الوطني المهم، إلا أننا نجد أن الاختلاف بين هذين المكونين في الساحة السياسية الفلسطينية قد عصف بكل محاولات الرتق، وأعيا كل مناصح وحادبٍ على وحدة الصف الفلسطيني، الأمر الذي أخَّر حركة النضال من أجل استعادة الأراضي السليبة، ودحرج القضية الفلسطينية من سلّم الأولويات في الأمم المتحدة إلى قضية هامشية، لم تعد تُذكر إلا لمامًا في اجتماعاتها.

ونأتي على ذكر مثال آخر منظور في الزعيم السياسي هارولد ويلسون، الذي كان نائبًا لرئيس الوزراء البريطاني أنتوني إيدن، إبان حادثة العدوان الثلاثي على مصر؛ حيث كان حزب العمال الذي ينتمي إليه ويلسون يعارض ذلك العدوان، وهو ما أورده ويلسون في مذكراته الخاصّة، مشيرًا إلى أنهم لم يكونوا يشددون الانتقاد على حزب المحافظين المساند للعدوان، معللاً ذلك بأن جيش ملكة بريطانيا عندما يكون في مهمة خارج البلاد فإن النقد الشديد يؤخذ على أنه خيانة للوطن. وتذكر مارغريت تاتشر أنها عندما كانت في المعارضة كزعيمة، وكان حزب العمّال الذي يقوده السياسي جيمس كالاهان، اتصل بها الزعيم المحافظ هارولد ماكميلان، وجرى اجتماع بينهما في منزل موريس ماكميلان، ابن الزعيم المحافظ، حيث ذكّرها بأنه عندما تكون حكومة ذات أقلية، كما هو الشأن آنذاك في حكومة العمّال، فإن نقدها يجب أن لا يكون شديدًا، لأن السقوط المفاجئ لحزب معارض يضر بمصالح الأمة. وقد أخذت تاتشر بنصيحته، وكان ذلك في أواخر السبعينيات الميلادية. وظلت تاتشر زعيمة لحزب المحافظين ورئيسة للوزراء لفترات ثلاث متتالية.

وفي عام 1990م رأى الحزب أنه يفترض أن تذهب تاتشر إلى التقاعد عن ممارسة السياسة، بعد أن أبلت بلاء حسنًا، وبخاصة في حرب جزر الفوكلاند، وظلت لأيام تصارع أفراد حكومتها، وكانت شبه وحيدة، وتقول إنها في يوم من الأيام طُرق باب «عشرة دواننغ ستريت» -مقر الحكومة- فإذا بالضيف القادم الذي أراد تهدئتها هو زعيم المعارضة آنذاك العالمي نيل كينك، وقد ردت له الجميل بأنها أثنت على أدائه في مجلس العموم، ووصفته بالموهوب في السجال الذي يدور في ردهات مجلس العموم.

وأذكر في التسعينيات الميلادية أنه عندما كان المحافظ جون ميجر، رئيسًا للوزراء، في تلك الحقبة تغيّب النائب اليساري المتشدد إيرك هيفر لمدة شهور عديدة بسبب تعرضه لمرض السرطان، وكان مجلس العموم قد حدد يومًا لمناقشة دخول بريطانيا في حرب الخليج الثانية، ووقوفها لجانب أمريكا، فجاء هيفر رغم مرضه ودخل المجلس، وهو لا يكاد يستطيع السير والمشي، فلما رآه ميجر على تلك الحالة، مع أنه يعتبر خصمًا عنيدًا -أي هيفر- قام ميجر من الصفوف الأمامية وسلك المسافة بين أول المجلس وآخره حيث يقعد هيفر وصافحه وجامله بعبارات إنسانية مهذبة، مما جعل المجلس يقف كله مصفقًا لهذه اللمسة الإنسانية.

إن هذه النماذج الإيجابية التي أشرت إليها وغيرها كثير، تمثل علامات مضيئة في حضارة الغرب اليوم، وتكشف عن الأبعاد الإنسانية التي ننشدها دومًا في كل الأمم والحضارات على اختلاف مشاربها وأزمانها ومحاضنها.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store