Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محمد بشير كردي

حكمة العاقل في حرب الجاهل

A A
«مُعْظمُ النارِ مِن مُسْتَصغرِ الشرَرِ». هكذا اندلعت الحرب العالميَّة الأُولى بإقدام المدعو Franz Ferdinand von على اغتيال ولي عهد امبراطورية النمسا، فكانت حربًا ضارية شارك فيها العديد من دول العالم بما فيها السلطنة العثمانيَّة، وقد حصدت أرواح ما يزيد على تسعة ملايين من البشر. وقضت على البنى التحتيَّة للدول المتحاربة، ونالت بلداننا العربيَّة نصيبًا مؤلمًا من ويلات هذه الحرب.

آنذاك، كانت بلداننا تابعة للسلطنة العثمانيَّة، وقضى العديد من شبابنا ورجالنا نحبهم في ميادين القتال. تقطَّعت كذلك سبل الاتِّصال بيننا وبين دول الشمال التي كانت تزوِّدنا بكثير من متطلَّبات الحياة. وقد كان لنسف سكَّة حديد الحجاز التي كانت تربط إسطنبول؛ عاصمة السلطنة العثمانيَّة بالمدينة المنوَّرة مرورًا بدمشق الشام، ولم يمض على تشغيلها عشر سنوات بتخطيط من ضابط الاستخبارات البريطاني لورنس. كان ذلك مقدِّمة لتقطيع أوصال العالم العربي، وتمهيدًا لتوطين يهود العالم في فلسطين. ومن جرَّاء ذلك أيضًا، عمَّ بلداننا الفقر وضيق ذات اليد والجهل.. وشاء الله بالفرج وانقشاع الغمَّة بتوقُّف القتال عام 1929، وعودة الملاحة البحريَّة إلى سابق مساراتها جالبة لموانئنا لوازم المائدة من الأرزاق، وناقلة إلى المدينتين المقدَّستين؛ مكَّة المكرَّمة والمدينة المنوَّرة ضيوف الرحمن بعد أن وفق الله الملك المؤسِّس؛ طيَّب الله ثراه، لمَّ شمل المواطنين من شواطئ الخليج العربي إلى شواطئ البحر الأحمر، ومن تخوم بلاد الشام إلى اليمن. وكتب على يده –طيب الله ثراه- نشر الأمن والأمان، بالقضاء على قطَّاع الطرق.

أذكر من أيَّام طفولتي حجَّاجًا من الهند ومن مصر كانوا يجوبون الحواري والأزقَّة في المدينة المنوَّرة، موزِّعين الصدقات نقدًا وأقمشة ومواد غذائيَّة. وبما أنَّ دوام الحال من المحال، وأنَّ مع العسر يسرًا، فقد أخذت عقارب الزمن دورتها، وتحوَّلت بلدنا إلى أكبر منتج للطاقة من بترول وغاز، فعمَّ الخير والرفاه والرخاء، وارتقينا باقتصادنا ومواردنا إلى (نادي العشرين) الذي يضمُّ الدول الأغنى في العالم. وسرعان ما أخذت الغيرة والحسد العديد ممَّن لا يحفظون ودًّا ولا ذمَّةً ولا عهدًا طريقها إلى إختلاق الأقاويل للتشكيك في قدرة قيادتنا الرشيدة مواصلة مسيرة تنمية 2030، فضربوا اقتصادنا بغارات على معامل الطاقة في المنطقة الشرقيَّة من بلدنا، توقُّعًا منهم ردَّة فعل تدفع إلى حروب في المنطقة لا تبقي ولا تذر! ومن فضل الله وكرمه، كان لتحلِّي قيادتنا الرشيدة بالحكمة، وإدراكهم أنَّ (الحربَ يُشعلُ فتيلها الجهلاءُ ويكتوي بنارها العقلاءُ)، فعمدوا إلى كشف الستار عن خطط المتآمرين أمام المجتمع الدولي لردعهم ومعاقبتهم. ويحضرني في هذا المقام ما يُروى عن نصر الدين بن سيَّار الكناني، آخر ولاة بني أُميَّة لكأنَّه يصف واقع حالنا مع من أعمى الحقد أبصارهم وبصائرهم:

أَرَى تَحْت الرَّمادِ وَميضَ نارٍ

وَيُوشِكُ أَنْ يَكونَ لِـهُ ضِـرَامُ

فَإِنَّ النارَ بِالعـودَيْنِ تُذْكَـى

وَإِنَّ الحرْبَ مَبْـدؤها كَــلَامُ

فَإِن لَمْ يُطفئهَا عُقَلاءُ قَومٍ

يكونُ وُقودَهَا جُثَثٌ وَهَامُ

وبحكمة قيادتنا منذ قيام مملكتنا، سيكون النصر بعون الله حليفنا. وعلى الباغي تدور الدوائر.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store