Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
واسيني الأعرج

الكتاب العربي في رحلة الفراغ

A A
يُنشر الكتاب عربيًّا، ويُترك في المخازن بالنسبة للمؤسسات الرسمية الناشرة، أو يعوم في الفراغ بالنسبة للناشرين الخواص. وفي كلتا الحالتين هناك جريمة ضد الكتاب. فلا حياة للكتاب خارج آليات النشر المعروفة دوليا. ما نلاحظه اليوم عربيا وبالعين المجردة التي لا تحتاج أي تفلسف، أن الكتاب العربي الخارج مدرسي، ضائع في الفراغ المميت والقاتل له، حيث يصبح الجهد الفكري أو الإبداعي لا حدث له في النهاية. لا يوجد أي جهد في الإشهار والدعاية الذي يحمل الكتاب عالياً ويُظهره للناس. ولولا المعارض العربية الكثيرة التي خرجت عن وظيفتها العالمية التقليدية، أي بوصفها مكاناً للعرض فقط وتبادل العقود للترجمة أو الطبعات الخارجية، كما هو الحال في معرض فرانكفورت مثلاً، لمات الكتاب.

قد نرفض فكرة المعرض – السوق، لكن ما هي خياراتنا نحن القراء العرب؟، غياب ذلك سيحرمنا من كتاب عربي لا يتخطَّى الحدود الوطنية إلا في فترة المعارض. لهذا فتحوّل المعارض إلى أسواقٍ عربية للكتاب ليس أمراً سيئاً أبداً، إذ أصبح المعرض شجرة الحياة التي يظلل تحتها عشاق الكتب الذين ينتظرون دورة السنة حتى يصلهم الكتاب الذي ينتظرونه في معرض بلادهم. للأسف، الكتب تُطبع وتتكدَّس، ولا منقذ لها إلا المعارض، على الرغم من أنها قرائياً مطلوبة بقوة. دار النشر تظن، في الأغلب الأعم، أن واجبها يتوقف عند حدود النشر، وكأن للكتاب أجنحة وأرجلاً. هاري بوتر لم تبع ٥٠٠ مليون نسخة بترك الكتاب يعوم في الفراغ؟، ولا 50 مليون من شفرة دافنشي بضربة ساحر. فهناك مال كبير سُخِّر للدعاية للكتاب وتوصيله لقارئه، وتحويله لاحقاً إلى ظاهرة استثنائية يذهب نحوها القراء برغبةٍ كبيرة لاكتشاف أسرارها. السند الإعلامي للكتاب ليس فقط ضرورياً، بل هو مُكمِّل للنشر، وإلا لا معنى للعملية كلها.. مفارقة بسيطة تحتاج على تأمُّل صغير، ما يُخصَّص للرياضة مثلاً يكاد يكون مرعباً. والنتائج بائسة في كل الرياضات!! مال مهدور في الفراغ بلا جدوى. مع إنه يفترض أن يجعل بلداننا تحتل المراتب الأولى في مختلف الرياضات.. ماذا حققنا في الرياضة محلياً وعالميا؟، لا شيء يُذكر. الأموال المسخرة في الدول الفقيرة والغنية على حد سواء تكاد لا تحصى مع نتائج مخجلة. ففي الوقت الذي تخصص فيه يومياً ملفات وملاحق ثقافية ومواقع إنترنت وحصص تليفزيونية ومجلات ملونة، للرياضة، لا تحصل الثقافة بمعناها الإبداعي والفكري والفني على شيء. بل إن ما يُخصَّص لها مضحك. ميزانيات الدول العربية لا تتجاوز الصفر فاصلة، للثقافة إلا فيما ندر. ماذا لو سرق من الرياضة الفاشلة واحد بالمائة وضخ في الثقافة الحية؟، متأكد أن أشياء ستتغيَّر في بلادنا العربية. طبعاً، للرياضة الحق في الاهتمام المعقول والوجود في الاهتمام وتشييد البنية التحتية لأنها علامة العصر الإشهارية، لكن وللثقافة أيضاً الحق في الوجود والنمو والتطور. كم بنينا من مسرح؟ أوبرا؟ دار للثقافة؟ صالات معارض فنية؟ قاعات محاضرات عالمية؟، دور للسينما بكل قدراتها الاستيعابية الجماهيرية، والحصول على أحدث المنجزات السينمائية العالمية؟ أروقة للمعارض الفنية التشكيلية؟ مع أن الثقافة الفنية هي مَن يصنع التوازن الفردي والجمعي، ويُوجِّهه نحو ما يخدم بلاده وإنسانيته أيضاً.

بلداننا العربية تصنع في النهاية قصباً لمَّاعًا في خارجه وفارغاً من الداخل. ونفاجأ في النهاية كيف يتم تجنيد هذا الشاب أو ذاك نحو الإرهاب، أو العنف والمخدرات، في غياب الثقافة الإبداعية من أدبٍ وفن وموسيقى... وغيرها، التي تمنح الشاب التوازن الغائي، قبل تحويله إلى قنبلة موقوتة ضد نفسه أولا، وضد أهله وأرضه وضد إنسانيته. الثقافة الإبداعية ليست رفاهاً، ولكنها ضرورة للمحافظة على إنسانيتنا المهددة باستمرار.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store