Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
عاصم حمدان

شهر ربيع.. وانبثاق رسالة الوسطية والاعتدال والتسامح

رؤية فكرية

A A
يُمثِّل الفصل بين العلوم الدنيوية والعلوم الأخروية إحدى مرتكزات أدبيات ما يُسمّى بـ»الإسلام السياسي»، الذي تسرَّبت بعض أفكاره إلى مجتمعاتنا في غفلة من القائمين على تأصيل المفاهيم الدينية، التي عُرفت بها بلاد الحرمين الشريفين، والجزيرة العربية، مع أنه لم يعرف دين من الأديان اهتم بكل معطيات العلم والمعرفة والفكر دون انفصال أو انشقاق أو جفوة مفتعلة، مثلما عهد عن الدين الإسلامي في اهتمامه، وحضه على المعرفة والعلم.

ومن مثالب أدبيات الإسلام السياسي كذلك؛ إغفالها للجانب الروحي في تربية المنتسبين إليها، وتحذيرهم من كل ما يُخالف آرائهم بحجة «سد الذرائع»، وتعدَّى الأمر إلى تأليب هذا النشء على المرتكزات الوطنية السياسية، وجعل الولاء لمصادر الفكر وليس للوطن وولاة أمره، مما ظهرت آثاره فيما يعرف اليوم بـ»القاعدة» و»داعش» وسواهما.

كما كانت المقالات التي يكتبها بعض المنتسبين لهذا الفكر السياسي المتشدّد، تبدّع وتفسق كل مَن يحتفي بمولد الرسالة المحمدية، مرتئين في ذلك الاحتفال ومظاهره التي تشهدها العديد من بلدان المسلمين، ضربًا من البِدع المنكرة، ووصل الحد ببعضهم إلى التعدِّي على مقام سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وذلك بالجزم بأن والدي حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلّم، في النار، متغاضين عمدًا عن الآية الكريمة قطعية الدلالة والثبوت: «وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا»، وهذا الحال ينطبق على والدي النبيَّ صلى الله عليه وسلّم، كونهما من أهل الفترة، ولأهل العلم والمعرفة في تخريج ذلك مقام يحسن أن نذكره، حيث يستشهدون بالآية الكريمة في سورة الضحى: «ولسوف يعطيك ربك فترضى»، فهل يرضى رسول الله صلى الله عليه وسلّم أن يكون والداه في النار يوم الجزاء الأوفى.. سبحان الله.. ما لهم كيف يحكمون؟!، وقد فصّل القول في هذه القضية العالم والعارف بالله، الشيخ محمد الأمين الجكني في كتابه المعروف: «أضواء البيان».

في تلك الحقبة التي أشرنا إليها، كان يرتفع صوت العالم الزاهد الرباني فضيلة الشيخ محمد أمين الكتبي الحسني، الذي كان واحدًا من أشهر علماء اللغة والنحو وما يتصل بهما في عصره، بمدح الحبيب صلّى الله عليه وسلم، ووددنا بمناسبة شهر ربيع الأول أن نجتزئ بعضًا من أشعاره التي أوقفها على مدح الجانب المحمدي صلّى الله عليه وسلم، والتشوّق الصادق لمآثره وآثاره، وجزى الله عنا شيخنا الكتبي خير الجزاء.

هيهات لا يُنسى النبيُّ ولا اسْمُهُ

إلّا إذا نسيَ الورى اسمَ الماءِ

اسمٌ يُردِّدُه الأذانُ مُكرَّرًا

في كل صبحٍ طالعٍ ومساءِ

اسمٌ يرتّله كتابُ الله ما

عكفت عليه طوائفُ القُرّاءِ

فالله شرّفه وعظّمَ قدرهُ

وأمدّهُ بصيانةٍ وبقاءِ

إذ كان قاب قوسٍ أو أدنى كما

يرضى وذلك منتهى الإدناء

رفع الحجاب فلا حجَاب وإنَّما

رَفْعُ الحجاب نهاية الإرضَاء

كما يقول في موضع آخر من ديوانه البهيج: «نفح الطيب في مدح الحبيب صلّى الله عليه وسلم»:

أهلاً بطالع مولد المختار

بهر العقول بساطعِ الأنوار

أهلاً بمقدمه وحيَّهلاً به

باليُمْنِ والبركات والأسرار

هذا فم الدنيا ومنه أذيعها

غررًا على الأسماع والأفكار

دررٌ نظمن قلادة قدمتها

للمصطفى الهادي بكل وقار

من بحره استخرجتها ونظمتها

فالفضل منه على البرية جاري

يسمو الخيال إلى سماء صفاته

فيرى البدائع في صنيع الباري

والنفس تسرح في رياض جماله

فتضم ما قطفت من الأزهار

إنها المحبة توطَّنت قلوبهم، وحرَّكت جوارحهم، فانفتحت لهم أبواب الرحمة بشرف مدح الحبيب المصطفى صلَّى الله عليه وسلّم، فالله نسأله محبة حبيبه، والمودة في الآل والقربي والأصحاب، كما نسأله عز وجل موارد الخير ومراتع الرحمة في هذا الشهر الفضيل، الذي ازدان بمولد الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، فكان درة الشهور.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store