Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

التعصب.. آفة خبيثة في مجتمع متسامح

التعصب.. آفة خبيثة في مجتمع متسامح

يصطدم مع قيم وأخلاق راقية توارثتها الأجيال

A A
يجسد المجتمع السعودي عمليا كل المعايير الراقية لمبدأ التسامح والتعايش بين جميع الأطياف والمذاهب والبعد عن التعصب والاستعلاء، انطلاقا من المنهج الإسلامي القويم الذي جعل الناس كلهم سواسية، وأزال وأذاب الفوارق التي تقوم على أساس من الجنس أو العرق أو اللون فالجميع سواء من حيث الحقوق والواجبات.

ولأن القاعدة تقول «لكل خواض شواذ» هناك فئة قليلة جدا تجنح أحيانا للعصبية القبلية، والتفاخر بالأنساب والألقاب، والتباهي بالمال والغنى، والتمييز بين الأبيض والأسود، وبين الغني والفقير.. فكيف يمكن مواجهة مثل هذه الأمراض الاجتماعية التي تعكسها ألفاظ مثل: طرش، مجنس، محافظ، ليبرالي، قبلي؟

«المدينة» استطلعت رأى نخبة من المختصين فى مجالات عدة حول القضية وأبرز الحلول المقترحة لمعالجتها:

د.لمياء: المجتمع السعودي نسيج واحد

أكدت الدكتورة لمياء عبدالمحسن البراهيم ـ كاتبة صحفية أن نظام الحكم في المملكة تأسس على الشريعة الإسلامية وبما يتواءم مع مكانة المملكة ضمن منظومة العالم واتفاقياتها مع الأمم المتحدة التي أعلنت ومن أكثر من نصف قرن اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري عام 1963م مما يتوجب سن قوانين حازمة وعقوبات رادعة لكل من يثير النعرات العنصرية.

وقالت إن المجتمع السعودي نسيج واحد، وأن أي أشكال للعنصرية مرفوضة فالإسلام لا يعرف العنصرية ويذم التكبر ويكفي أنها كانت أول معصية وسبب لطرد إبليس من رحمة الله، مشيرةً إلى أن الرسالات السماوية جاءت لتؤكد على مبادئ العدالة والمساواة وأن التفاضل بين الناس قائم على التقوى ونبذ كل ما يثير والكراهية.

العوفى: التعصب مكتسب وليس غريزة فطرية

يقول بندر غزاي العوفي ـ عمدة حي الثغر والفيحاء بجدة: التعصب في نظري غريزة غير فطرية وهو مكتسب من عاملين مهمين: الأول: مرتبط بالجماعات المحيطة بالفرد (المتعصب) مثل الأسرة والأصدقاء وغيرها، والعامل الثاني: مرتبط بالمجتمع مثل الأعراق أو الثقافات أو الأديان... إلخ.

وعن كيفية علاج هذا الداء الخطير يقول العمدة العوفي:

1- إقرار نظام يجرم التعصب بكل أشكاله وأنواعه لحماية المجتمع

2 - تعزيز قدرات الوالدين ودورهما في تربية الأبناء من خلال برامج الأمن الأسري

3 - نشر الوعي من خلال المواد التعليمية لدى الناشئة لنبذ هذه الآفة الخطيرة

4 - تكثيف المواد الإعلامية لتثقيف المجتمع بأهمية الابتعاد عن الطرق التي تجلب التعصب

الحربى: التصنيف خطر على أي مجتمع

يرى محمد الحربي ـ باحث في التاريخ ـ أن التصنيف لأي مجتمع على أساس مذهبي، أو طائفي، أو مناطقي، أو عرقي، أو قبلي يُعد من أخطر الأمور التي تُسهم في تفتيت اللحمة الوطنية، لما تسببه من كراهية ونزاعات بين فئات المجتمع، وينتج عنه أجواء يسودها الخوف والكبت وعدم الاستقرار، مما يحدُّ من تطور وازدهار المجتمع.

ويضيف الحربي: رغم أن الإسلام نبذ التفاخر بالأنساب كونه من عادات الجاهلية، لكن المجتمع لا يخلو من بعض التصنيفات التي تقوم على مبدأ عنصري، وهذا ملاحظ ؟! مما يلزم القضاء على تلك التصنيفات العنصرية بالتوعية، مع سن الأنظمة والتشريعات التي تعاقب من يرتكب سلوكاً عنصرياً ضد الغير.

ملائكة: أصوات نشاز من ضعاف النفوس

يؤكد اللواء م. طلال ملائكة أن المملكة ومنذ تأسيسها قامت على الوحدة وملوك المملكة منذ عهد المؤسس ـ طيب الله ثراه ـ لا يفرقون بين مواطن وآخر لكن في الفترة الأخيرة ظهرت بعض الأصوات النَّشاز من ضعاف النفوس المصابين بأمراض نفسية يدعون لمطالبات ظاهرها الوطنية والمطالبة بالمحافظة على الهوية المناطقية ولكن حقيقة باطنها العنصرية العرقية وتدعو للإقصاء والتحريض وبث الكراهية وزرع الاحقاد وإيقاد نار الفتنة وأججها أعداء الوطن بالخارج والداخل.

ويرى اللواء طلال أن هؤلاء الأشخاص ومن يقف خلفهم بالدعم المباشر وغير المباشر لا يدركون أبعاد خطورة العنصرية وإنها كالجمرة الخبيثة التي تشتعل تحت كومة من القش، مشيراً إلى أن أخطر أنواع العنصرية هي العنصرية الطائفية والعرقية مطالباً الجهات الأمنية ( الشرطة - أمن الدولة - النيابة العامة ) التعامل بحزم مع مثيري العنصرية وعدم التهاون مع ما يردهم من بلاغات كما يشدد على أهمية إصدار قانون يجرم العنصرية بأسرع وقت محذرا من الاستهانة والاستخفاف بالعنصرية لأنها تولد العنصرية ؟!

د. ندى: كلنا شركاء في حماية الوحدة الوطنية

تقول الدكتورة ندى محمد جميل برنجي ـ أستاذ مشارك في قسم اللغات الأوروبية وآدابها بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة الملك عبد العزيز ـ:» للأسف نجد في مجتمعنا بعض الأشخاص الذين يتفاخرون بأنسابهم وانتماءاتهم القبلية والعرقية، ويتعاملون مع الآخرين بدونية وعنصرية، وعلينا جميعا ان نكون شركاء في حماية الوحدة الوطنية».

تؤكد الدكتورة ندى أن رؤية المملكة 2030 تحثُّ المواطنين على تقوية اللحمة الوطنية لكي يعملوا جاهدين لتكون المملكة نموذجا ناجحا ورائدا في العالم على كل الأصعدة، مشددةً على أهمية الدور الريادي لعلماء الدين والمثقفين والأكاديميين والأدباء والصحفيين والمواطنين وكل المسؤولين في الدعوة إلى نبذ العنصرية وتوحيد الصفوف وتآلف القلوب؛ لنصل إلى القمة وعنان السماء.

العباسى: تؤججه وسائل التواصل

يقول خالد هشام العباسي ـ كاتب: بنظرة سريعة نجد أن أبرز أشكال التعصب المؤثرة والواضحة هي العنصرية والتي ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي في تأجيجها عبر سيل من الحسابات الوهمية التي يخشى أصحابها التصريح بآرائهم المُتطرفة في العالم الحقيقي خوفاً من المُساءلة، ويرى أن من أسباب تنامي هذه الظاهرة عدم التعامل معها كجريمة مُستقلة بذاتها مشيرا إلى أن هذه الآفة لن تُجتث حتى يُسن قانون صريح يجرم العنصرية والكراهية مع تفعيل نظام رقابي يرصد المؤججين إلكترونياً ويحاسبهم مباشرة دون انتظار شكاوى يرفعها أفراد.

ويستشهد العباسي بقول عالم الاجتماع الدكتور مصطفى حجازي: يقود التعصب إلى (الانشطار الانفعالي) حيث تنشطر العواطف بين مثالي مُنزه تُسقطه العصبية على كيانها، وموضع للشرور تُسقطه على نقيضها والذي تُوجِبُ القضاء عليه، وهذا الانشطار هو أكبر أسس الهدر الإنساني.

د.عبلة: المواطنة الصالحة أساس المفاضلة

تشير الدكتورة عبلة عبدالجليل ـ كاتبة صحفية ـ أن التنوع والاختلاف سنة من سنن الله في خلقه وهو واقع وحقيقة مُسلم بهما وعلى الرغم من أن الاختلاف بمكوناته الفكرية والثقافية والعرقية والدينية يُعتبر من أحد أسباب ثراء المجتمع وقوته لكن التعصب والتصنيف الاجتماعي على أساس عنصري يهدد النسيج المجتمعي في لحمته الوطنية، وأن المفاضلة تكون على أساس المواطنة الصالحة والتمكن المعرفي والقدرة على العطاء والمساهمة في بناء الوطن.

وتوضح أن دول العالم المتقدم نجحت في احتواء تلك الاختلافات بين مواطنيها والاستفادة منها، وتحويلها لطاقة بناء ويجب سن القوانين الضابطة للمتنمرين نحو المختلف، وتذويب العصبيات في إطار الهوية الجامعة والشعب الواحد.

د. عبير: سلوكيات تعكس دونية صاحبها

تؤكد الدكتورة عبير برهمين ـ أستاذ بكلية الطب وعضو المجلس البلدي بمكة المكرمة ـ على أن العنصرية مقيتة بكل صورها ومفرداتها و تنمُّ عن مدى هشاشة صاحبها ولكي يخفي هذا النقص من الدونية يلجأ إلى استخدام الفاظ عنصرية ويمارس الإقصائية للآخر ويحاول أن يظهر تفوقه في أي شيء وإن لم يكن يملكه ؟!.

وترى أن هناك كثيراً من الأسباب التي تُغذِّي العنصرية أهمها قلة الإيمان بما قسمه الله للعبد والشعور بالدونية الذي يفاقم مرض «الحسد» وكلاهما يعبران بأشكال عنصرية هدامة لا لشيء سوى أن هذا الشخص يعجز عن تطوير ذاته وتحسين قدراته، مشيرةً إلى أهمية تضافر الجهود للقضاء على ظاهرة العنصرية المقيتة حتى لا تتنامي وتتمكن من تقويض مبادئ اللحمة الوطنية بين أبناء الوطن الواحد باختلاف توجهاتهم واختلاف مشاربهم، لاسيما أننا نعيش حاليا في عصر يموج بكثير من التحديات.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store