Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
عاصم حمدان

عدنان اليافي.. وقضايا تاريخية حول مدينة جدة

رؤية فكرية

A A
في لقاء أخويّ رعاه الكاتب المعروف السيد نجيب يماني على شرف الباحث المعروف السيد عدنان اليافي، جرى الحديث في بعض محاوره عن بعض الشخصيات التي لعبت دورًا مهمًا في تاريخ مدينة جدة، ولأن الغموض يحيط ببعض هذه الشخصيات؛ لذا وددتُ أن أُدوّن جوانب من هذا اللقاء، الذي سادته روح علمية وموضوعية. فقد ورد في هذا السياق اسم شخصية عاشت في الفترة السابقة، أعني خلال القرن التاسع عشر الميلادي، وهو التاجر فرج يُسر، وشخصيًا سمعت باسم هذا الرجل قبل حوالي ربع قرن من الزمن في اجتماع بمنزل المربّي المعروف السيد محسن باروم، وكان ضيف الشرف الأستاذ والأديب الكبير عبدالعزيز الرفاعي، رحمه الله، فذكر المرحوم الرفاعي أنه كان يتردّد على منزل الأفندي محمد نصيف، المعروف باهتمامه بالعلم والعلماء، فسأله ذات يوم: من أين أنت يا عبدالعزيز؟ فأجاب الرفاعي رحمه الله: خؤولتي يا أفندي من جدة، فجدي لأمي هو عبدالفتّاح الرشيدي.. وتوقّف عند هذه المعلومة، واستمع بعد ذلك للشيخ نصيف، حيث قال له: إن جدك أوّل من جلب المجلات والصحف إلى مدينة جدة، وكان يعوزه بعض المال، فذهب إلى فرج يُسر واستدان منه مئة جنيه ذهبًا، وهذا يدلّ على أن فرج يُسر كان ميسور الحال. وتحدث الإخوة الكرام في هذا اللقاء، وفي مقدمتهم الدكتور عدنان اليافي، الذي من تواضعه أنه يذكر دائمًا أنه غير مختصّ في التاريخ؛ ولكنه من ضمن اهتماماته العلمية، ولعل من مظاهر اهتمامه الواضح بالتاريخ أن له عدة مؤلفات في هذا الجانب، ولعل من أبرزها كتابه: «الأسرة العربية –

النشأة والتكوين»، الذي تناولت فصوله الأربعة عبر 250 صفحة لمحات عن التحركات السكانية العربية المختلفة، وتوثيق لأصول وتاريخ عائلة آل اليافي الهاشمية العريقة، وبعض مشاهيرهم، ودورهم في الحياة العامة والسياسة العربية.. وكذلك كتابه: «المدينة المنورة في أعين رحالة غربيين»، والذي قدم من خلال صفحاته التي بلغت 340 صفحة نبذة تعريفية عن تاريخ المدينة المنورة وموقعها وسكانها ولمحات عن مظهر الحياة فيها في صدر الإسلام، وتناول الكتاب كذلك تاريخ المدينة المنورة في عهد الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- ثم عرج لتاريخ المسجد النبوي الشريف، موردًا لمحات عن أهم رحلات الحج إلى المدينتين المقدستين، خاتمًا الكتاب بإيراد بعض القصائد التي نظمت في المدينة المنورة والتعلُّق بها، والعشق لمرابعها. وثالث الكتب، كتاب: «جدة في شذرات الغزاوي»، الواقع في 248 صفحة، وطيّه استعراض لما تناوله الأديب الرمز الشاعر أحمد بن إبراهيم الغزاوي، عن مدينة جدة، من حيث نشأتها وتاريخها، ومرجعية اسمها، والتعريف بها وبتاريخها، وما قيل عن الغزاوي نفسه، ثم دراسة عن جدة نفسها في ما أورده الغزاوي في شذراته، مذيّلا الكتاب بقصائد نظمت في حق مدينة جدة.. إن هذه الكتب الثلاثة نسوقها مثالاً على اهتمام الأديب اليافي بالتاريخ، وغيرها كثير، يكشف بجلاء عن قدرة عالية في التوثيق، وتحرّي الدقة والموضوعية، بما يحملنا إلى القول بأن تواضعه فقط هو الذي يحمله إلى القول بأنه مهتم بالتاريخ وليس متخصّصًا فيه.

ونعود ثانيةً إلى الشخصية الأسطورية فرج يُسر، فلقد ذكر الدكتور اليافي أنه في تلك الحقبة الماضية، قام هذا الرجل بإجراء المال من خارج جدة إلى داخلها، وأتذكَّر أن عزيزنا الدكتور راكان حبيب، المهتم هو الآخر بتاريخ جدة، وله كتاب مخطوط سوف يرى النور قريبًا إن شاء الله، فلقد أفاد بأن فرج يُسر أعاد مجرى القادم من خارج جدة بعد أن طمر بفعل العوامل البيئية، فقام بتجديده وبعث الحياة فيه من جديد.

ثم كان هناك موضوع محل نقاش واسع في تلك الجلسة وهو تعدد الزوايا الصوفية في مدينة جدة، والتي بقيت تحمل أسماء أصحابها حتى اليوم، مثل زاوية أبوعنبة، وزاوية أبوسيفين. وأضاف لي الدكتور راكان بأن معظم الطرق الصوفية، وفي مقدمتها الشاذلية كانت ممثَّلة في مدينة جدة، وربما يعود ذلك إلى أن جدة كانت تمثل وما زالت تمثل بوابة الحرمين الشريفين، وكانت في تلك الحقبة حملة غزو برتغالي بغيض، وربما كان العامل الديني المتمثل في إنشاء هذه الزوايا يهدف إلى مقاومة ذلك الغزو والتمسك بثوابت الدين الإسلامي.

إن شهادتي في شخصية الأديب الدكتور عدنان اليافي مجروحة، فهو كنز من كنوز المعرفة، ويطوي صدره على علم جم، وثقافة واسعة، واطلاع محيط، وإني أسأل الله أن يديم عليه نعمة الصحة والعافية ويعينه على توثيق ما يحتشد به جنانه من علم غزير حتى يكون إضافة ثرية للمكتبة السعودية والعربية والإسلامية، وهذا أملي ورجائي الذي أتوجه به إليه عبر هذه المساحة.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store