Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
واسيني الأعرج

لكِ أميرك ولي أميري

A A
يمكن أن تصبح رواية جسرًا للحب والتعاطف والتبادل، تشيع فرحًا في قلوب جمهور القراء، فيندفعون ليس فقط إلى قراءة الرواية ولكن أيضًا إلى المحددات التاريخية التي بنى عليها الكاتب روايته، وهذا محبب جدًا بالخصوص بالنسبة للرواية التاريخية، وتصبح الرواية مثار نقاشات وأحاديث جميلة حتى في اختلاف الرؤى. لكن يمكن للرواية أيضًا أن تتحول إلى مساحة للنفي والرفض، بل والعداوة أحيانًا. ولا مبرر لذلك إلا الجهل المسبق، لأنه يستبدل النقاش بالنفي والشتيمة والتهمة. الاختلاف ليس مبررًا لضرب كل شيء عرض الحائط، واتهام الكاتب بما ليس فيه مطلقًا. شعرت بهذا وأنا أتلقى أصداء رواية كتاب الأمير التي فازت بجوائز عدة، منها جائزة المكتبيين للرواية الأكثر مقروئية، وجائزة الشيخ زايد للآداب في دورتها الأولى، وجائزة مدينة بوردو الفرنسية لحوار الأديان والحضارات، في نسختها الفرنسية. فاكتسبت الآلاف من الأصدقاء الذي أحبوا الأمير لأنهم شعروا بأنه يشبههم جميعًا في ترددهم وخوفهم وشجاعتهم، ولكني تحملت أيضًا على ظهري الكثير من الأعداء الذين فقدوا صورة أمير؛ هم من خلقها وآمن بها، بالخصوص بعض المستعاشين من وراء الأمير في المؤسسات الرسمية. الأكثر غرابة أنه من بين هؤلاء حفيدة الأمير، من عمومته وليس منه مباشرة، السيدة بديعة التي لم تفهم بعد أن الأمير لم يعد أميرها السلالي والعائلي، ولكنه ملكية للإنسانية التي ناضل من أجلها باستماتة. فقد قرأت أكثر من 400 كتاب ووثيقة قبل كتابة الرواية، وقضيت في صحبته أكثر من خمس سنوات التي أصبحت اليوم أكثر من عشر مع الجزء الثاني من الرواية. أي أن صحبته أصبحت إبداعيًا من حقنا ومن حق كل الفنانين. وأن الأمير الحقيقي كما تسميه الأميرة بديعة، لا يوجد إلا في مخيالها مثلما يوجد في مخيالي ومخيال كل من اشتغل عليه، كل بطريقته. ساجلتها على أجهزة الإعلام الوطني مدة طويلة. فقد سلخت عنه صوفيته فقلت لها طيب، لماذا كتب المواقف؟ قالت الكتاب منسوب له، وليس هو من كتبه، الدليل الخطوط المختلفة في المخطوطة. قلت طبيعي، فقد نسخه ثلاثة من كتابه لأنه كان يلقيها في شكل دروس في الجامع الأموي. ختمه على المخطوطة يثبت أنه موافق عليها. ثم لماذا كلف مجموعة من أتباعه بتحقيق الفتوحات المكية لابن عربي؟.

أكثر من هذا، فقد أوصى بأن يدفن بجانب الشيخ الأكبر وذلك ما تم حتى تم نقل رفاته في 1966 ودفن في الجزائر. كان من الصعب إقناع الأميرة بديعة لأن أميري وأميرها لا يتشابهان. أميري عندما انهزم اعترف وتكلم وقال ما لم يقله المؤرخون عنه أبدا. وقبل أن يختبر هشاشته أمام قسوة زمن لم يكن في النهاية في صالحه. وأميرها كان بطلا لا يموت ولا يخطئ، لقد سرقت منها أيضا أميرها الذي سوقته من خلال الكتاب المدرسي والمؤسسات الوطنية ولم تعرف كيف تحفظه في ذاكرتها بالشكل الذي يجعل من الأمير قيمة إنسانية مضافة وليس أكثر.

الغريب أن الأمير يذكرني بأيقونة، وهي جميلة بوحريد، التي لا يعرف الكثيرون منَّا أنها حية، وتعاني أمراضا كثيرة أكبرها مرض الخيبة من زمن سرق طفولتها الغضة، ولم يمنحها إلا المزيد من النسيان. منذ الاستقلال تفقَّه حكامنا في تدمير كل ما هو أيقوني وحي ورمزي، وابتذاله، لكيلا يعبر عن أي شيء أبدا لدرجة أنْ شاركت في الحراك على الرغم من مرضها.

كيف يتحول الأفراد إلى حالات رمزية غريبة تشبه أوطانها في قيامها وانكسارها. نفس الأشخاص الذين زرعوا الحياة في جسد الأمير، زرعوا الموت في جسد جميلة لكي يندثر الرمز بأقصى سرعة ممكنة، لأنه مؤرق لذاكرة خانت شهداءها؟.

قلت للأميرة بديعة عندما بالغت في عدميتها: مولاتي، لكِ أميرك ولي أميري.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store