Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
عاصم حمدان

عمّال بريطانيا وإسرائيل وسقوط مفاجئ

رؤية فكرية

A A
عند قيام الكيان الإسرائيلي الصهيوني فوق أرض فلسطين العربية الإسلامية، كان الحزب السياسي الذي أخذ على عاتقه إنشاء هذا الكيان هو حزب العمّال البريطاني، الذي أُسّس في بداية القرن العشرين ليكون سدًّا منيعًا أمام الفكر الشيوعي، ولهذا أخذ عمّال بريطانيا في سياستهم ما يعرف بـ»الاشتراكية الفابية»، ويذكر مناحيم بيجن في مذكراته الخاصّة أنّه عند فوز حزب العمّال البريطاني سرت فرحة غامرة في الأوساط الصهيونية لصعود حزب العمّال سنة 1945م، بزعامة كيلمنت أتيلي. وعمل جمع كبير من نوّاب حزب العمّال البريطاني على الترويج لفكرة إنشاء الدولة المستقلة لليهود، وذلك بحكم أن أرض فلسطين العربية كانت خاضعة للانتداب البريطاني وقتها.

ومع هذا السخاء السياسي البريطاني؛ إلا أنّ الوجود البريطاني في فلسطين لم يسلم من أعمال إرهابية قامت بها حركات وعصابات متطرفة تنتمي للكيان الصهيوني، ومن أشهرها تفجير فندق الملك داوود في القدس، والذي كان مقرًّا للقيادة العسكرية البريطانية آنذاك. كما قامت تلك العصابات الصهيونية الإرهابية بقتل الوسيط الدولي الكونت بيرنادوت، وقتل وزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط اللورد موين Moyne.

وفي عام 1948م اعترفت بريطانيا بالكيان الإسرائيلي، وسحبت بريطانيا كل ما يتصل بوجودها العسكري في فلسطين. وهيّأ ذلك الاعتراف الطريق أمام الإرهابيين من أمثال مناحيم بيجن وإسحق شاميير والعصابات الإسرائيلية التي ينتمون إليها إلى القيام بأكبر عملية تطهير عرقي، وتهجير جماعي للعرب من سكّان فلسطين الأصليين من قراهم والدفع بهم إلى الصحراء القاحلة والمنافي.

وإذا كان حزب العمّال الإسرائيلي هو الذي قامت على أكتافه وبجهوده الدولة الصهيونية؛ فإنّه بعد حرب أكتوبر 1973م، بدأ يفقد وهجه، واختفت بعد ذلك أيضًا من الساحة السياسية الإسرائيلية أسماء مثل: بن غوريون وبيريز وأبايبان وموشي ديان وقولدا مايير وإسحق رابين، الذي مثّل قتله على يد جماعات يهودية متطرفة وإرهابية انتهاء ما يمكن اعتباره مشروع سلام يعترف بقيام دولة فلسطينية بجانب الدولة اليهودية.

وجاءت الانتخابات التي جرت في إسرائيل على مدى السنوات الخمس الأخيرة لتثبت أن حزب العمّال الإسرائيلي لم يعد له ذلك الوجود المؤثر في الساحة السياسية الإسرائيلية، وحلّ محله ما عرف باسم «حزب أبيض أزرق»، كما جاءت الانتخابات البريطانية الأخيرة ليعاني حزب العمّال من سقوط مريع، وعدم تمكّن زعيمه جيرمي كوربن من الوصول إلى ما يعد حلمًا، وخسارة دوائر انتخابية عمّالية في يد المحافظين بزعامة بوريس جونسون. وذكرت التقارير السياسية المعتمدة أنّ الحزب لم يشهد سقوطًا مثل هذا السقوط منذ انتخابات 1923م.

وبالعودة قليلاً إلى الوراء نرى أن معظم الشخصيات العمّالية التي صعدت بطريقة مباشرة أو غير مباشرة إلى رئاسة الوزراء في بريطانيا كانت في الظاهر عمّالية، أما في الباطن فكانت محافظة ولكن بطريقة سريّة، وينطبق ذلك على كل من: أتيلي، وهارولد ويلسون، وجيمس كالاهان، وتوني بلير، وجوردون براون، وهذان الأخيران؛ بلير وبراون لم يكونا يخفيان إعجابهما برئيسة الوزراء المحافظة مارغريت تاتشر، أما كوربن فهو يمثّل التيار اليساري المتشدّد، وهو منهج مرفوض في العقلية البريطانية، إضافة إلى أن كوربن تعرّض لهجمة من القوى الصهيونية داخل بريطانيا، والتي اتهمته بعداء السامية، وخرج كبير حاخامات إسرائيل متهمًا بلير بأنّه ضد السامية Anti-Semitism ويحمله مسؤولية انتشار الفكر المعادي لإسرائيل، وهو أمر لم تشهده بريطانيا من قبل؛ حيث يوحي بتدخّل أجنبي في السياسة البريطانية. ويمثّل كوربن امتدادًا معروفًا للشخصيات اليسارية المتشدّدة من أمثال: مايكل فووت، وتوني بلير، ودينس اسكنر، وسواهم. ولهذا فمن المتوقع أن يعلن كوربن انسحابه من زعامة الحزب، وفتح الباب أمام شخصيات سياسية أخرى تقود الحزب حسب الأجواء السياسية البريطانية، والتي تبدو في معظمها محافظة وترفض النهج الاشتراكي وما سواه، وأيضًا تتخوّف مما يمكن أن يدخل في عداء السامية لتمكّن هذه الحركة من مراكز القوى في بريطانيا.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store