لا يمكن إطلاق مبادرات استثمار حقيقية من دون دراسة السوق، والعامل الديموغرافي للمنطقة المستهدفة، والقوة الشرائية للسكان، وسياسات الاستثمار المحلية الحكومية، وحالة البنية التحتية، ومؤثرات ذلك كله على احتمالات نجاح المشاريع، ولأن رأس المال كما يوصف «جبان»، فإن ديموغرافية منطقة ما تلعب دوراً هاماً في اتخاذ قرار الاستثمار لدى مؤسسات القطاع الخاص والمؤسسات الحكومية.
وقد بلغ تعداد سكان الدول العربية 422.7 مليون نسمة في عام 2018، وتعتبر شعوب المنطقة العربية شعوباً شابّة إجمالاً، حيث أن ربع تعداد سكان العالم العربي هم من الفئة العمرية بين 15 و29 عاماً، ويتركز نصفهم في أربع دول عربية هي مصر والسودان والجزائر والعراق، وهو ما يعني أن هذه الدول الأربع تمتلك أسواقاً واعدة على صعيد استهلاك المنتجات منخفضة أو متوسطة الجودة في الوقت الحالي، وهو ما يمثل حالياً فرصة واعدة للمصانع الصينية المعروفة بإنتاجها الرخيص. من جهةٍ أخرى، يمثل هذا العدد من الشباب فرصاً واعدة للمستثمرين العرب سواء الراغبين بإطلاق مشاريعهم في تلك الدول، أو أولئك الراغبين بإطلاق مشاريع استثمار في بلدانهم واستجلاب قوى عاملة معقولة الأجور من تلك الدول.
من ناحية أخرى تشير البيانات الديموغرافية لسكان منطقة دول الخليج العربي وعلى رأسها المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات إلى أن القوة الشرائية في هذه المنطقة تتيح نشوء وازدهار وتطور أسواق قادرة على احتضان منتجات عالية الجودة، ففي إحصائية للبنك الدولي منشورة في عام 2014، على أساس يعادل القوة الشرائية في عام 2018، جاءت المملكة العربية السعودية في المرتبة الثالثة بعد كل من المملكة المتحدة، والولايات المتحدة الأمريكية، فيما يتعلق بالقوة الشرائية للسكان.
جديرٌ بالذكر، أن البيانات التي يمكن أن تساعد على توجيه دفة الاستثمار في العالم العربي وفقاً للمؤشرات الديموغرافية ترصد لنا أيضاً ما كشفت عنه لجنة المراكز التجارية بالغرفة التجارية الصناعية في جدة من أن القوة الشرائية للأسرة السعودية عالية، في حين انكمشت القدرة الشرائية للمواطنين المصريين، ما يعني أن مؤشرات الأسواق وفق العامل الديموغرافي هي مؤشرات ذات أبعاد هامة عندما يتعلق الأمر بإطلاق منتجات جديدة، أو بالاستثمار الجزئي أو الكلي في سوقٍ ما، حيث تلعب القدرة الشرائية الدور الأبرز على صعيد اتخاذ القرار بتأسيس الأعمال والدخول إلى أسواق جديدة، إذ يتطلب الأمر معرفة ما يصلح وما لا يصلح لكل سوق.
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
