Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
واسيني الأعرج

قصة حب من زماننا

A A
هناك الكثير من قصص الحب التي تنشأ في قلب النار، يتحول فيها الإنسان إلى أيقونة لا تموت أبدًا.. تكبر في قلوب العشاق لتصبح نموذجًا استثنائيًا.. قصة المناضلة جميلة بوحيرد الجزائرية إبان ثورة التحرير، والمحامي العالمي جاك فيرجيس.. فقد شكلت علامة حية في القلوب والإعلام.. كيف لمحامٍ فرنسي شاب، طموح، أن يرهن حياته كلها بامرأة معتقلة، محكوم عليها بالإعدام لأنها حاولت وضع قنبلة في مقهى، لم تنفجر.. وضع كل شيء جانبًا وراح يدافع عنها باستماتة، معتمدًا على قوته الذهنية وخبرته ومعارفه.. قضية تجاوزت الدفاع لتتحول إلى قضية إنسانية كبرى.. لم تصدق جميلة نفسها وهي تسمع حكم الإعدام، إنها لحظتها أصبحت أيقونة، تخطت شرطيتها الإنسانية المحكومة بظلم سلط على وطنها.

سبب الحكم القاسي، هو أن جميلة وضعت في ١٩٥٦ قنبلة موقوتة في سوق موريتانية ولكنها لم تنفجر.. وكأن القدر نفسه منحها مخرجًا ضئيلاً أمام عدالة تسير في اتجاه واحد لتستمر في الحياة..

في أبريل ١٩٥٧ جرحت في حملة عسكرية في العاصمة، وشكّت الشرطة الاستعمارية فيها أنها تنتمي لجبهة التحرير، فألقي عليها القبض وحكم عليها بعد محاكمة صورية بالإعدام.. ولكن التنفيذ عطل بسبب الحملة الإعلامية التي شنها جاك فيرجيس وصديقه جورج ارنو اللذان استماتا في الذهاب بالقضية بعيدًا وتدويلها مع فضح ممارسات القتل الجماعي في الجزائر والتعذيب.. فنشر فيرجيس كتابًا في الدفاع عن جميلة برفقة صديقه جورج ارنو pour Djamila Bouhired الذي كتب مقدمته فتحول الكتاب إلى مرافعة ضد الاستعمار، من أجل العدالة.

أوصل المحامي جاك فيرجيس القضية حتى رئيس فرنسا الجنرال دو غول الذي اعترف بقوة المرافعة.. فجأة تحولت قضية جميلة إلى قضية عالمية فضحت الإعدامات والتعذيب في الجزائر وتحول الحكم إلى مؤبد قبل أن يطلق سراحها مع الاستقلال.. عندما سئل فيرجيس ماذا كان سيفعل لو نُفذ حكم الإعدام في جميلة؟ قال: لا شيء استثنائي.. كنت سأجد سلاحًا وأطلب موعدًا مع القائد العسكري الفرنسي للجزائر، وأغتاله ثم أسلم نفسي للعدالة.. يعيشان بعد الاستقلال واحدة من أجمل قصص الحب.. أنقذها ليحبها أكثر.

في سنة ١٩٦٥ يطلب يدها، وتتزوج جميلة بفيرجيس ويعيشان مع بعض قرابة العشر سنوات، في الجزائر.. ينجبان مريم وإلياس.. أسّس فيرجيس مجلة الثورة الافريقية في الجزائر مرتبطًا بالجزائر المستقلة.. استمرت المجلة زمنًا طويلاً، قبل أن يغادر الجزائر في سرية تامة في السبعينيات إلى مكان غير معلوم وعلى مدار ثماني سنوات لم يعثر له على أثر، قبل أن يظهر من جديد في لبنان برفقة الفلسطينيين.. لا أحد إلى اليوم يعرف بدقة أين كان وتسبب ذلك الغياب في انفصاله عن جميلة.. ولكن كل التصريحات والتلميحات والإشارات تقول إنه كان في جبهات القتال مع الفلسطينيين.. فقد ظل مناصرًا القضية الفلسطينية حتى موته، وكتب عنها مما جلب له عداء كبيرًا من الحركة الصهيونية التي ألصقت به كل

الأوصاف والتهم من معاداة السامية حتى العمالة.

وعلى خلاف ما يعتقده الكثير من الفرنسيين حول أن فيرجيس عندما اختفى عن الأنظار، كان في ضيافة بول بوت زعيم الخمير الحمر، أحد مجرمي العصر الحديث.. لكن كل الشهادات، وتصريحات أقرب أصدقائه مثلاً بومعزة، والوثائق، تشير إلى وجوده على جبهات المقاومة الفلسطينية.. علاقة المحامي الفرنسي مع الفلسطينيين كما يرد في شهادات بعض الأشخاص الذين عرفوه أو سمعوا عنه مثل رئيس حزب الكتائب اللبنانية كريم بقرادوني الذي يروي أنه سمع الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات يقول للمسؤول عن أمنه في منظمة التحرير حسن سلامة في أيار (مايو) 1973 «تابعوا مع فيرجيس».. نشر فيرجيس وقتها كتابًا بعنوان: «فدائيون» عن المناضلين الفلسطينيين.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store