جوناس سلك.. العالم الزاهد!!

يعد شلل الأطفال من الأمراض الفتاكة على مستوى العالم خاصةً في فترة الأربعينيات من القرن الميلادي الماضي، وهو شديد العدوى يغزو الجهاز العصبي، وكفيل بإحداث الشلل التام في غضون ساعات من الزمن. يصيب هذا المرض الأطفال دون سن الخامسة بالدرجة الأولى.

الطبيب الأمريكي في علم الفيروسات الدكتور «جوناس إدوارد سلك» (1914م-1995م)، الحاصل على الدكتوراه من جامعة ميتشغان، يعتبر أول من اكتشف وقام بتطوير تطعيم تمكَّن به من القضاء على هذا المرض، كان ذلك في سنة 1954م، حين قام باختبار اللقاح على 1.6 مليون طفل في كندا وفنلندا والولايات المتحدة الأمريكية. في سنة 1955م، كان شلل الأطفال يعتبر أكثر مرض مخيف على مستوى العالم، ومن أشهر المصابين به الرئيس الأمريكي الثاني والثلاثون «فرانكلن روزفلت»، لدرجة أنه كان يقال تندراً: «إن أكثر ما يخيف الشعب الأمريكي وقتها أمران، الأول: قيام حرب نووية، والثاني: الإصابة بمرض شلل الأطفال». مع بداية سنة 1952م وهي السنة التي بدأ فيها ما سمي بعدها بالإحصائيات الرسمية الحكومية، إلى نهاية سنة 1955م، كان عدد المصابين سنوياً بشلل الأطفال في أمريكا وحدها 60 ألف مصاب. وبفضل اكتشاف العالم «جوناس سلك»، انخفض عدد حالات شلل الأطفال منذ سنة 1988م، بنسبة تفوق 99%، إذ تشير التقديرات إلى انخفاض ذلك العدد من نحو 350 ألف حالة سجلت في أكثر من 125 بلداً يعاني من انتشار المرض حينها، إلى 33 حالة أُبلغ عنها في عام 2013م مسجلةً بذلك أدنى مستوى لانتشار المرض على مر التاريخ. وبعد أن نجح «جوناس سلك» في مكافحة المرض والقضاء عليه، قام ببث ثقافة التطعيم ضد المرض بين أفراد المجتمع الأمريكي، لدرجة أنه ربط ذلك بالالتزام الأخلاقي للفرد الأمريكي. ولمعرفته بالمرض الذي شكل خطراً على الصغار والكبار لآلاف السنين، رفض تسجيل الدواء باسمه كحقوق ملكية رغم المحاولات الكثيرة والمتعددة من قبل شركات الصيدلة العالمية والتي كانت تبحث عن الربح المادي فقط على حساب المرضى، مما يدل على أنه لم يسعَ أبداً للثروة أو الشهرة من خلال اكتشافه الشهير، وبسبب ذلك أصبح دواء شلل الأطفال ملكاً عاماً لا يتحكم فيه أحد ويمكن تصنيعه وبيعه في أي بقعة على وجه الأرض، مما جعله أرخص دواء في العالم إلى يومنا هذا. وقد ذكرت مجلة فوربس الأمريكية للمال والأعمال في سنة 2012م، والتي تعد أكثر المجلات شهرة في العالم، أنه لو قام «جوناس سلك» بتسجيل دواء شلل الأطفال كملك خاص عند اكتشافه، لكان العائد المادي الذي يمكن أن يحصل عليه يعادل أكثر من 7 مليارات دولار.

عندما سئل العالم الأمريكي الدكتور «جوناس سلك» مكتشف دواء شلل الأطفال عن السبب الذي بموجبه لم يحفظ حقوق ملكيته المالية للدواء وجعله حقاً عاماً، رد قائلاً: «هل يمكن استخراج براءة اختراع للشمس كحقوق ملكية؟!».