Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
عاصم حمدان

الصهيونية والضمير الأوروبي المعذّب!

رؤية فكرية

A A
ذكرت في مقالات سابقة أن هناك فرقًا كبيرًا بين اليهودية، كدين من الأديان التوحيدية، مثل الإسلام والمسيحية، وبين الحركة الصهيونية، كأفكار سياسية متشددة. ولقد وجدت عند المفكّر البريطاني دينس هيلي تعريفًا موجزًا للصهيونية وهي أنها حركة تجمع بين الإمبريالية والقومية؛ أي أنه وبهذا التعريف وسواه لم تكن اليهودية كدين جزءاً من تشكيل هذه الحركة.

ولقد كانت العلاقة بين المسلمين واليهود في البلاد العربية في مستوى حضاري وفكري تطمئن إليه نفوس أتباع الديانتين، وحتى بعد قيام الكيان الإسرائيلي، ومحاولته المستميتة لإقناع اليهود العرب بالهجرة إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة؛ إلا أن هؤلاء لم يستجيبوا للنداءات المتكرّرة من الحركة الصهيونية.

ويقرّ الباحث الإنجليزي المعروف، ذو الجذور اليهودية، برنارد لويس، في كتابه المسمى «السامية ومناهضوها Semites And Anti-Semites» أن الأقليات اليهودية التي كانت تشكّل جزءًا من البلاد العربية والإسلامية عُوملت ببعض المعايير غير المعتبرة من الناحية السياسية، كما أنها قوبلت في الحياة الاجتماعية بسلوك يمكن وصفه بالانغلاقية والازدراء، ولكن «لويس» يعد هذه المعاملة التي رافقت الوجود اليهودي في المجتمعات الإسلامية والعربية، تختلف عن ذلك النوع من العداء Anti-Semitic الذي أفرزته المجتمعات الغربية تجاه اليهود، ويحدده «لويس» بالعداء الشخصي Personal Hostility، والذي تسبب في متاعب طبيعية «جسمانية»، وصدامات عنيفة للجانب اليهودي، الذي يشكّل جزءًا من المجتمعات الغربية، إلا أن «لويس» يعود فيرى أن موجة عداء السامية بمفهومها الأوروبي، وصلت إلى البلاد العربية في وقت متأخّر، في القرن التاسع عشر الميلادي.

وهناك شهادة أخرى يذكرها السياسي اليهودي المعروف أبايبان، وزير الخارجية الأسبق في حكومة العمّال البريطانية، بأن الحقبة الذهبية في حياة اليهود، هي الحقبة الأندلسية، إبان الحكم الإسلامي العربي فيها، وقد تنكّر العديد من النّشطاء اليهود المعروفين للحركة الصهيونية، ولم يعترفوا بها، بل وناهضوها، وفي مقدمتهم يأتي اسم النّاشط الراحل إسرائيل شاحاك؛ لأنه رأى بعينيه ما تقوم به الحركة الصهيونية من قتل للفلسطينيين بدم بارد في مذابح كفر قاسم، وقبية، ودير ياسين، وصبرا وشاتيلا، وغيرها من المشاهد الدموية الفظيعة التي ارتكبتها الحركة الصهيونية بحق العزل في فلسطين. بل إن النائب البريطاني، وزير خارجية الظل ذا الجذور اليهودية؛ الراحل جيرارد كوفمان، وقف في مجلس العموم البريطاني منتقدًا ما قام به رئيس وزراء إسرائيل السابق، إرئيل شارون من مذبحة في بيت لحم، وقال مواصلاً حديثه: لقد دنّس شارون بفعاله القبيحة النجمة اليهودية»، وظل كوفمان إلى آخر حياته معاديًا للصهيونية، ومؤيدًا للفلسطينيين وحقهم العادل. وكان هذا الإنسان يقوم بخدمات جُلى للعرب والمسلمين، الذين يقيمون في بريطانيا، وخصوصًا في مدينة مانشستر في الشمال البريطاني، أو فيما يعرف بمنطقة «روشم Ruchm».

إن من حق المجتمع الغربي أن يشعر بالذنب حيال ما اقترفه بحق اليهود في الحربين العالميتين؛ الأولى والثانية، وبخاصة ما حدث لليهود في المحرقة، أو ما يعرف بـ»الهولوكوست»، التي تجد الاعتراف والتعاطف من قبل العرب أيضًا، لكن من الواجب أيضًا على المجتمع الغربي أن يدين، كافة المحارق والمجازر التي ارتكبها الكيان الصهيوني الغاصب في فلسطين المحتلة، بذات روح التعاطف التي يبديها للكيان الصهيوني، فهي محرقة ما زالت أتونها موقدة، وما زالت نارها مشتعلة يصطلي بها الفلسطينيون كل يوم، فمن باب أولى أن يبدي المجتمع الغربي شيئًا -ولو يسيرًا- من التعاطف حيال القضية الفلسطينية العادلة، وأن يكفوا يد الكيان الصهيوني الباطشة، التي لم تستجب يومًا لأي قرار منصف صادر عن الأمم المتحدة، فقد آن الأوان لأن تتساوى في نظر الجميع أسباب الإنكار للهولوكوست والمذابح الفلسطينية المتكررة، فليس ثمة دم أرخص من دم، وليست ثمة محرقة أولى بالذكر والإدانة من أخرى.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store