Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محسن علي السهيمي

القضاة على مسطرة الإمامة

A A
انطلاقًا من مبدأ أن أي وظيفة مهما كان حجمها، ومهما كانت درجة المتقدم لإشغالها، ومهما كانت منزلته، فإنَّ شغْلَها يتطلب مرور مشغِّلِها على مسطرة فاحصة تستبين بواسطتها أحقيته بشغلها من عدمها؛ وانطلاقًا من كون (إمامة المساجد) من أشرف المهن، ومن أجلِّها، ومن أشقِّها، ومن أكثرها تثبُّتًا في اختيار الإمام الذي سيحظى بشرفها، فقد رأينا كيف أن وزارة الشؤون الإسلامية ممثلة في إدارة الأوقاف والمساجد وضعت مسطرةً فاحصةً (معايير وضوابط واشتراطات واختبارات) لمن يريد أن يشغل منصب الإمامة، يُطلب من المتقدم للإمامة الوفاء بها؛ حتى يحظى بشرف الإمامة، حتى لو كان المتقدم حاملاً للشهادات العليا في العلوم الإسلامية، حافظًا للقرآن الكريم، متقنًا لتلاوته، وحتى لو كان منتميًا وظيفيًّا للوزارة نفسها (وزارة الشؤون الإسلامية)، حيث يصبح المتقدمون جميعهم على مسطرة واحدة تتطلب توافر تلك الاشتراطات والمعايير، وتتطلب اجتياز تلك الاختبارات. إذا ما اتفقنا على وجاهة هذه المعايير والاشتراطات والاختبارات، وإذا ما اتفقنا على وجاهة خضوع الجميع لتلك المسطرة التي تَضمن مُخرجًا جيدًا، فإن العجب يأتي حينما تنهار تلك المعايير والاشتراطات، وتُصادر تلك الاختبارات أمام المتقدم للإمامة، وتُمهد أمامه الطريق الموصلة للإمامة.. لا لشيء إلا لكونه (قاضيًا). القضاة مكوِّنٌ من مكونات المجتمع، نالوا حظًّا وافرًا من العلوم الشرعية، واتسموا بسمات تؤهلهم ليكونوا أهلاً لمسؤولية القضاء الثقيلة، وهُم بوصفهم حكامًا فاصلِين بين الخصوم والمتنازعِين فهذا يعني توافر سمات العدل والحلم وسعة الأفق والاجتهاد فيهم، مع العِلم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والفقه في دين الله، يُضاف لما سبق بُعدهم عن الانحياز والتعصب. المؤكَّد أن القضاة لم يصلوا لسدة القضاء إلا وقد توافرت فيهم تلك المعايير، لكنهم ليسوا سواء؛ فربما فقَدَ بعضهم شيئًا من تلك المعايير، وربما كان هناك بعض القصور لدى بعضهم؛ نظرًا لتفاوت مدة ممارستهم للقضاء، ولتفاوت المحاضن العلمية التي تخرَّجوا منها، ولتفاوت قدراتهم البشرية، وعليه فالمنطق يَفترِض خضوعهم للمسطرة نفسها التي خضع لها غيرهم -ممن تقدم للإمامة- فربما كان من بين غيرهم من المتقدمِين زملاء لهم درسوا مثل دراستهم، وتخرجوا من المحاضن نفسها، وحصَّلوا من العلم مثلما حصلوا، ويملكون من القدرات والمهارات ما يملك زملاؤهم القضاة، لكنهم لم يرغبوا في القضاء وعدلوا إلى غيره، فكيف نُخضع هؤلاء وغيرهم لمسطرة الإمامة ولا نُخضع القضاة لها؟!. أن يتسلَّم القضاةُ الإمامة دون مرورهم على تلك المسطرة التي يمر عليها غيرهم أرى أن في هذا تزكية لهم تصعب استساغتها -مع كامل احترامنا وثقتنا فيهم- وهم أنفسهم لا أظنهم إلا يأنفون من هذه التزكية، ثم إن من المعلوم أن مرتبات القضاة -بارك الله لهم فيها- عالية وهناك من المؤهلِين للإمامة من ليس له وظيفة ولا مسكن خاص، ومن كان منهم موظفًا فربما كان مرتَّبه متواضعًا.. أوَليس هو الأحق بمكافأة الإمامة وسكنها؟ ثم إنني لا أظن القضاة يخشون تلك المسطرة الفاحصة وهم الذين لم يَصِلُوا للقضاء إلا بعد تجاوزهم ما هو أشق منها، ولا أظنهم يرون أنفسهم أكبر من هذه المسطرة، أو أكبر من منافسيهم، خصوصًا وهم مناط التواضع. ولذا فمن الإنصاف أن تجعلهم إدارة الأوقاف والمساجد على قدم المساواة مع منافسيهم في مسطرتها؛ حتى تطيب أنفس المنافسِين، وترتاح ضمائر القضاة.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store