Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
عاصم حمدان

مسجد الفتح والتخلّص من الأغلال

رؤية فكرية

A A
عندما قدم سيدنا رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، إلى المدينة المنوّرة، وجد الآطام التي أقامها اليهود يتحصنون بها من أي عدو لهم، فلم يأمر سيدنا رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، بهدمها، بل حضّ على الحفاظ عليها، لأنها زينة المدينة المنوّرة.

وإذا تأملنا أيضًا موقف النبي، صلّى الله عليه وسلّم، وصحابته رضوان الله عليهم، من آثار الأمم السالفة، التي كانت موجودة في مصر، والشام، والعراق، وبقية الأمصار، نجد أنهم لم يقفوا منها موقفًا معاديًا أو سلبيًا؛ بل يذكر بعض الباحثين الغربيين، ومنهم البروفيسور إدموند بوذوروث، الذي كان يعمل أستاذًا في قسم دراسات الشرق الأوسط بجامعة مانشستر المعروفة، أن المسلمين حافظوا على آثار الأمم الأخرى، ومنها المسيحية، وهذا معلوم بالفطرة؛ لأن الإسلام جاء متممًا ومكملاً للديانتين؛ اليهودية والمسيحية. وكان المسلمون في ذلك الوقت؛ وخصوصًا في المركز الحضاري والإنساني والعلمي -نعني به بلاد الأندلس- يتميزون بالانفتاح على الآخر، وبهذا الانفتاح والتسامح استطاعوا أن يغزوا عقول وقلوب الناس، من غير حراب أو قتال.

وفي العهد السعودي الزاهر، قامت حكومتنا الرشيدة بالحفاظ على المساجد الأثرية، وترميمها، والحفاظ عليها، مثل: مسجد قباء، ومسجد الروحاء، ومسجد المستراح، ومسجد القبلتين، كما أنها قامت بتعمير وتجديد عمارة مسجد الفتح. إلا أن بعض المعاول الخارجة عن النطاق الصحيح للسنة النبوية المطهرة، قامت بالتخلّص من بعض المساجد الأثرية في المدينة المنوّرة، مثل مسجد واقعة بني قريظة، ومسجد العريضي، والمدرسة الأثرية التي كانت تقوم بجانبه، كما تمّ التخلّص من بعض المساجد السبعة، والتي تؤكد كتب التاريخ أنها رُمِّمت في عهد الخليفة الأموي الراشد، عمر بن عبدالعزيز، عندما كان واليًا على المدينة المنوّرة. وقد أخبرني بعض الزائرين لمسجد الفتح من داخل البلاد وخارجها بأن المسجد يقفل في كثير من الأحيان، على الرغم من أن مظاهر العمارة قد لحقته بالترميم والتعمير. فأمر العمارة لابد أن نشيد به، ونحمد لصاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن سلمان، أمير منطقة المدينة المنوّرة، عنايته الفائقة والمقدرة بجميع المساجد، بما فيها مسجد الفتح، وقد سمعت منه شخصيًا في مناسبتين كريمتين، أقامهما على شرفه معالي السيد الدكتور نزار بن عبيد مدني، تأكيدًا على هذا المنحى الحضاري، وهو الحفاظ على آثار بلد النبي صلّى الله عليه وسلّم، كما ظل سموه يؤكد دائمًا، وفي العديد من المناسبات على هذا النهج السليم، الذي سارت عليه الدولة منذ نشأتها.. واتساقًا مع هذا الجهد المقدَّر، والتوجه النبيل والمنسجم مع فكر ووعي قيادتنا الرشيدة، فإن إغلاق أي مسجد من هذه المساجد أمام الزوّار والمصلين يبقى أمرًا لا ينسجم مع رسالتها المتصلة بقيمتها الآثارية والحضارية. ولو خصصنا القول عن مسجد الفتح فإن الزائر له يستصحب في ذاكرته مكانة هذا المسجد في التاريخ الإسلامي، فهذا المسجد كائن في جبل سلع المعروف بالمدينة المنورة، ويعرف الجميع بأنه يُسمى أيضًا بمسجد الأحزاب، لأن النبي صلّى الله عليه وسلم، دعا في هذا الموضع المبارك على الأحزاب، وهو أمر ثابت في الأحاديث الصحاح، ومنه الحديث المروي عن عبدالله بن أبي أوفى، الذي قال: دعا رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم على الأحزاب، فقال: اللهم منزل الكتاب، سريع الحساب، اللهم اهزم الأحزاب، اللهم اهزمهم وزلزلهم». وهناك روايات كثيرة متواترة تؤكد صلاة سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في هذا المسجد المبارك، ودعاءه على الأحزاب فيه، وشواهد التاريخ تؤكد على عناية السابقين واللاحقين به، ولم أقف على شاهد يشير إلى إغلاق هذا المسجد أمام المصلين في يوم من الأيام، بما يحملني إلى التوجه والمناشدة لصاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن سلمان، أمير منطقة المدينة المنوّرة رعاه الله، بإيلاء هذا الأمر ما يستحقه من توجيهه الكريم، بأن يظل المسجد مفتوحًا أمام الزوار والمصلين، ففي ذلك من النفع والبركة ما نرجو، ونسأل الله التوفيق والسداد والرشد في كل مسعى للخير.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store