Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
واسيني الأعرج

الصورة الذكية للخروج من جلد الأفعى

A A
نحن في عالم تحدده الصورة أولا وأخيرًا، فهي الأكثر تأثيرًا على الناس، بل هي ما يصنع يومياتهم من خلال شاشات البلازما والتليفونات الذكية.. لم تعد العلاقة حيادية، كما كانت نسبيًا، بحيث تتوفر في المجتمع البدائل السجالية والنشاطات الإنسانية، التي تزاحم الصورة في تفردها، لا تتركها وحيدة في الميدان.. فقد أضحت في زماننا، الجزء الأهم من يوميات المواطن عمومًا والعربي بشكل خاص، الذي يعيش يوميات تصنعها الحروب العدوانية أو البينية، في عالم لم يعد يعترف إلا بالقوة.. بالقوة وحدها تفرض احترام الآخر لك..

اعتبرت كوريا قبل فترة دولة مارقة، وهددتها أمريكا بالضربة الصاعقة التي تحولها إلى رماد.. وفجأة تغير الخطاب منذ أن نجحت كوريا في صناعة رؤوسها النووية.. أمريكا التي كانت تسخر من كوريا ورئيسها، أصبحت تطلبها للحوار.. وراء كل خطاب قصدية موجهة لتحقيق هدف معين، واستهداف فئة أو فئات محددة بالصورة.. ومهما كانت الادعاءات بالحيادية، لا توجد صورة مرمية في الهواء الطلق لإسعاد البشر.. ورجوع بسيط إلى الوراء يظهر لنا كيف أصبحت الصورة تشغل يوميات الإنسان العربي منذ بدء الانتفاضات العربية، وأصبحت سهلة الاستعمال ولم تعد ذلك الممنوع البعيد.. أكثر من هذا، فقد خلقت الثورات (الانتفاضات) العربية في بداياتها طريقة جديدة في التوثيق والجري وراء المعلومة، من خلال الصورة الملتقطة بالموبايل بعين المكان وتعميمها عن طريق الشاشات العربية أو العالمية، بواسطة الهواتف الذكية بالخصوص، أو ما يمكن تسميته بالإعلام الشعبي.. لم يعد الجانب التقني، وطريقة إخراج الصورة، ورؤية المخرج ومهندس الصورة، هي العناصر الحاسمة.. القيمة تتحدد بالمحمول الظاهر والمبطن.. تحولت الصورة في النهاية إلى شهادة ضد ما يحدث، وكأنها العين الخفية الحاملة للحقيقة، في ظل منع السلطة للتصوير.. هي ما يحدث التوازن في مواجهة الصورة الرسمية الميالة نحو إخفاء حقائق الصراعات لأنها تربك قوتها وتحولها إلى لا شيء.

خوف الدكتاتوريات التي بينت الوقائع، أنها نمور من ورق لا أكثر، كانت تعيش خوفًا غير مسبوق، في مواجهة غليان شعبي كبير، أظهرته الصورة الشعبية الملتقطة بالهواتف الذكية.. لم يعد الإعلام الرسمي المتكلس والمتحجر هو الحاسم في العملية الإعلامية، فقد زحزح من موقعه وتعرى ضعفه كليًا.

. التليفزيونات العربية الرسمية أثبتت فشلها وهزالها في المتابعة وإعطاء صورة أخرى أكثر جرأة عما يحدث في مجتمعها ومحيطها الدولي، مكبلة بشرطية الرسمي الذي يعيد إنتاج نفس الخطابات المتآكلة.. فقد لعبت الصورة الشعبية الذكية دورًا حيويًا فعالا، مستفيدة من تجارب المراسلين الحربيين الذين كانوا يلتقطون صورًا نادرة عن بشاعة الحروب، مجازفين بحياتهم، ما تزال إلى اليوم شاهدة على قسوة الإنسان وتوحشه..

لا يهتم المراسل الحربي بجمالية الصورة التي يلتقطها تحت الرصاص والقصف، وهو لا يعرف إن كان سيظل حيًا أم ينتهي تحت وابل الرصاص والقصف الجوي وشظايا المدافع، ولكن باللحظة الحية.. رهانه الأوحد الصورة الحاملة لرائحة بارود المعارك، وللحقيقة المحاربّة.. جماليتها في العرق والخوف الذي تخفيه وراءها لتصل على المتفرج الذي يحدث عنده ارتجاج في اليقينيات التي شربها مع حليب الطفولة وتخيلها حقائق مطلقة.. كل شيء تغير بفضل الوسائط الأكثر شعبية، في العملية التواصلية إلا القنوات الرسمية المستقرة في نظامها الميت؟ من السهل أن تكيل كل تهم الدنيا ضد القنوات العميلة؟ ولكن من الصعب أن تشتري المصداقية المفقودة.. فالمواطن، حتى الأكثر ارتباطًا بقناته الوطنية، سيضطر إلى البحث عن المعلومة في أمكنة أخرى مسماة عدوة، ليفهم ما يحدث في أرضه وربما بجانب بيته.. المشكلة في النهاية هي مشكلة عقل يزال يشتغل وفق إملاءات الأنظمة الدكتاتورية، بكل ما تحمل هذه الأنظمة من تخلف.. تحتاج إلى جهد مضاعف للخروج من جلد الأفعى الذي يخفي الحقيقة، وحرفية أكثر لإقناع الناس وتغيير كفّتي الميزان الإعلامي.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store