كنت قد تحدثت عن الدعوة الكريمة من جامعة كاوست لجمعية كتاب الرأي وما قامت عليه تلك الجامعة لتكون صرحاً شامخاً يفخر به كل مسلم.. واليوم أكمل انطباعات أخرى ترسخت في قمة وجداني عن تلك الجامعة العالمية؛ ولعل توفر مقومات أساسية لها قد ساهم في ذلك؛ وهو الاستقرار السياسي والاقتصادي الذي تتمتع به هذه الدولة الفتية، واستقطاب العقول الأجنبية المتميزة مما يساهم في التنوع الفكري العلمي، ثم الدعم اللامحدود من حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز يحفظه الله وسمو ولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان.
ومن المشكلات التي تعمل على دراستها مشكلات التصحر والمياه في المملكة العربية السعودية، وكيفية استغلال البحار مثلاً في الاستنبات الزراعي حيث بدأت تجربة زراعة الطماطم في المياه المالحة هذا فضلاً عن تجارب استخدام الطاقة الشمسية، وطاقة الأمواج.
الجميل في كاوست إعطاء فرص لمشاركة المرأة فنسبة الطالبات 35% بينما حينما بدأت كانت فقط 9% كما إن نسبة طلاب الماجستير 21% والدكتوراه 79% ..
أما البنى التحتية التقنية فحدِّث ولا حرج، (فشاهين) أضخم جهاز حاسوبي في العالم وهو خارق في تقنياته وسرعة الحصول على نتائج في خمس دقائق.. بدلاً من خمس ساعات ؛ فلا مثيل له في الشرق الأوسط ولا يوجد منه على المستوى العالمي سوى ستة أخرى وهذا يعطي الجامعة قوة عالمية في الأبحاث العالمية وسرعة معالجة البيانات.. الجميل أن هذه المختبرات مشتركة بين جميع الباحثين في الأقسام والمراكز فهذه الأجهزة غالية الثمن ومن العبث عدم استخدامها الاستخدام الأمثل. وهناك 11 مختبراً من أحدث الأجهزة العلمية في العالم، ومنها الأجهزة المغناطيسية الكهربائية والميكروسكوبات الفائقة الدقة، والأجهزة الغواصة Drowns للوصول لمناطق لا يستطيع الإنسان الوصول إليها وهي ضمن مشروع رؤية 2030 م في دراسة أعماق البحار والاستفادة من الثروات وعمل مزارع للاستنباتات الحيوانية والزراعية، وهناك سفينة الأبحاث، والاشتراك مع أرامكو في إيجاد منابع جديدة للنفط.
فإذا أضفنا إلى ذلك جمال المدينة وحسن تنسيقها، ومبانيها وشوارعها، وهناك صناديق لتدوير النفايات أمام كل منزل.. ووجود مركز لتدوير النفايات Reuse- center، ومن هذا المنبر أتمنى أن تعمل (كاوست) مع (المركز الوطني لإدارة النفايات) في دراسات (لإدارة النفايات في الحج) حيث لم تنجح المحاولات مع الشركات وتجارب (حج أخضر) في توفير بيئة عالية النظافة لحجاج بيت الله الحرام.
الأجمل في الرحلة استضافتنا في (متحف كاوست) فعشنا وقتاً ممتعاً مع جابر بن حيان، وابن سيناء، والرازي، وابن بطوطة وتراث علمي على امتداد الحضارة الاسلامية من القرن السابع الهجري وحتى السابع عشر الميلادي وهو الذي أخذت منها أوربا الكثير من علومها ومنها عمل الروبوت من العالِم الإسلامي (الجزري)..
كان برنامج الرحلة ممتلئاً جداً فما كتبته هو جزء يسير مما تعرفنا عليه وفي أثناء جلوسنا لتناول الطعام خُطط أن يكون معنا أنموذج من الشباب السعودي فحضر الطالب محمد السياري.. وكان أنيق المظهر والفكر فحدَّثنا عن تجربته في الجامعة وأنه درس البكالوريوس في أمريكا تخصص حاسب مع تخصص فرعي رياضيات، ودرس الماجستير في كاوست ثم الآن في نفس الجامعة يكمل الدكتوراه في الرياضيات التطبيقية في مجال تحليل معادلات ميكانيكية الموائع بتطبيقات حركة الدم خلال التجلطات في الأوعية..
فكل الشكر لجمعية كتاب الرأي على منحنا هذه الفرصة الثمينة وكل التقدير لكاوست على تلك المنجزات فهي من أعظم القوى الناعمة التي نجابه ونتحدى بها العالم.
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
