Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محمد بشير كردي

دعوة حقّ لشهر فضيل

A A
﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾.. توجيه إلهيٌّ لعباده بأن يحرصوا على نظافة الملبس وأناقة المظهر، وعلى ترشيد الإنفاق كأسلوب حياة.. هذا الترشيد يقضي على الاحتكار وجشع بعض التجَّار المستوردين والموزِّعين الذين ينتهزون المناسبات لاحتكار المواد الأساسيَّة للمعيشة، ومن ثمَّ عرضها للبيع بأضعاف مضاعفة.. هذا التوجيه من أُولى متطلَّبات الأمن الغذائي لما فيه من تأمين المعيشة على مدار الأيَّام، وفي كلِّ المناسبات الاجتماعيَّة والدينيَّة، وفي زمن الكوارث والنكبات خاصَّة.. ومع أنَّ قرآننا الكريم نزل بلغتنا العربيَّة، ويحفظ معظمنا آياته الكريمة عن ظهر قلب.. وفي قنواتنا الفضائيَّة مواقع لإذاعة القرآن الكريم لتوقظ من الغفلة من أهملوا الأخذ بأوامره ونواهيه.. فالإسراف في الصرف والتسوُّق صفة يكاد تنفرد بها مجتمعاتنا، وفي شهر رمضان المبارك خاصَّة الذي ننتظر حلوله بعد أيام، راجين أن يقترن وقد زالت عن العالم غمَّة جائحة الكورونا، وعادت الحياة إلى طبيعتها.

مع قناعتنا بأنَّ الغالبيَّة منَّا ستعود وقبل دخول الشهر المبارك للتسوُّق بكميَّات تفوق احتياجاتهم في شهر الصيام المفترض أنَّه شهر ترشيد استهلاكنا من الغذاء والشراب متناسين التوجيه النبويِّ الكريم في قوله عليه الصلاة والسلام: «مَا مَلأَ آدميٌ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بِطْنِه، بَحسبِ اْبنِ آدَمَ أكْلاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فَإِنْ كَان لَا مُحَالَةَ، فَثُلْثٌ لِطَعَامِه، وَثُلْثُ لِشَرابه، وَثُلْثٌ لِنفسهِ». هذا توجيهٌ نبويٌّ يتوَجَّبُ علينا اتِّباعه يوميًّا، فما بالكم في شهر رمضان، وفي إبَّانِ الكوارث والأزمات التي يعاني العالم هذه الأيَّام من هجمة الكورونا الشرسة التي لم تسلم أمَّة من تداعياتها المؤلمة؛ متسبِّبة في تدهور الأوضاع الاقتصاديَّة وفقدان الملايين لمصادر دخلهم ممَّا قد يدفع غالبيَّتهم لإيقاد ثورة الجياع التي كانت المحرِّك المباشر للثورة الفرنسيَّة التي أطاحت بعروش العديد من الدول الأروبيَّة.

كنت إلى وقت ليس بالبعيد اعتقد بأنَّ الشعوب الأوروبيَّة التي أسهمت مع الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة في خلق العالم الجديد المتحكِّم باقتصاد العالم هي أكثر وعيًا من شعوبنا في ترشيد الإنفاق والصرف لدرجة التقتير حتَّى على أنفسهم، فلا يتسوَّق أحدهم أكثر من متطلَّبات وجبة الطعام يومًا بيوم، إلى أن حلَّت بنا وبهم كارثة الكورونا، فإذا هم لا يختلفون عنَّا في هجومهم على مراكز التموين المنزلي، ممَّا استدعى في بعض الأحيان تدخُّل البوليس لفكِّ اشتباك المتسوِّقين وهم يرون تسارع اختفاء العديد من السلع عن الأرفف.

اليابانيُّون كما شهدتهم وعايشتهم، ورأيت على وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، فهم الأكثر وعيًا وحسن تصرُّف في حالة الكوارث والنكبات بدلالة ما شهدناه عبر الفضائيات وقت حادثة انفجار المفاعل النووي في فوكوشيما يوم 11 مارس 2011 متسبِّبًا في مقتل الآلاف وتهجير أضعافهم، ودمار العديد من المنازل والمواصلات البريَّة والحديديَّة، وناشرًا الذعر في أنحاء اليابان من جرَّاءِ تداعيات الإشعاعات النوويَّة ومن نقص المواد التموينيَّة والطبيَّة وما يلزم لإصلاح البنية التحتيَّة.. شاهدنا الياباني يتسوَّق من السوبر ماركت لوازم يومه الضروريَّة محافظًا على مخزون مراكز التسوُّق دون نقص يستدعي الخوف والذعر على الأمن الغذائي.. هذا التصرُّف دليل مكارم الأخلاق التي بعث الله نبيَّنا الكريم لإتمامها.. أليس الأجدر بنا أن نكون نحن من أوائل العاملين بها! وصدق الشيخ محمَّد عبده -يرحمه الله- وهو يصف سلوك الناس أثناء تجواله في أوروبا بأن رأى فيها إسلامًا بدون مسلمين يحترم بعضهم بعضُا، ويؤدُّون أعمالهم بإخلاص ودقَّة وأمانة، ولا يعتدي أحدهم على حريَّة الآخرين.. فهل من عودة لتدارس مكارم الأخلاق التي بعث الله بها رسولنا الكريم لإتمامها، والعمل بها لنعود خير أمَّة أخرجت الناس؟.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store