Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

رسالة المطر

• قبل أن أغمض عينيّ ليلة البارحة استعدتُ شريط ذكريات سيول كارثتي جدة الأولى والثانية، وتساءلتُ: لماذا أصبح المطر بعبعًا بعد أن كنا نفرح بقدومه؟

A A

• قبل أن أغمض عينيّ ليلة البارحة استعدتُ شريط ذكريات سيول كارثتي جدة الأولى والثانية، وتساءلتُ: لماذا أصبح المطر بعبعًا بعد أن كنا نفرح بقدومه؟ ولماذا تحوّل المطر إلى غولٍ يقضّ المضاجع، ويُدمي العيون؟ لقد غابت فرحة المطر، وأصبحنا ننظر إليه على أنه قاتل لا زارع للخير في أرض البوار.. • غالبتُ مشاعري، وغططتُ في نوم عميق، لكن ظلّت أسئلتي تعتمل في العقل الباطن، وجدتني وجهًا لوجه أتحدّث مع المطر، الذي سرعان ما اختفى، وترك لي رسالة اعتذار، حملت مبرراته المقنعة، وإجاباته الشفافة عن كل الأسئلة. رسالة المطر -كما قرأتها- لم يكن الهدف من ورائها تقديم الاعتذار فحسب، بل تعرية الأسباب، وكشف الحقائق، وإزالة المساحيق من على الوجوه التي خدعتنا، وحسبناها جميلة الملامح، فإذا بها قبيحة الشكل والأهداف. • بدأ رسالته قائلاً: إن زيارتي لجدة مرتين في شهور متوالية لم تكن مرتبة لها في أجندة زياراتي للمدن والبلدان، وإنما جاءت فجائية من أجل تمزيق أوراق الصفقات، التي يوقّعها معدومو الضمائر، بهدف التربّح من خير العروس.. ولأنني كنتُ في مهمة «قتالية» -إن جاز التعبير- كان من الطبيعي أن يسقط في غزواتي ضحايا أبرياء. جئت إليكم لألحق ببقية المبالغ قبل هروبها إلى خزائن اللصوص، وإنقاذ (غلابة) أم الخير، والتوفيق، وقويزة، والسامر، والربيع، والأجواد، والشرفية، والبغدادية، والنسيم الذين لا يزالون مخدرين بمراهم تصريحات معسولة.. جئت بعد أن ضاق الصدر، وشعرتُ أن جسد المدينة لن يبرأ إلاّ بمشرط القوة، وإكسير الطوفان.. آثرت اختيار الأربعاء أكثر من مرة؛ لأنه نهاية دوامكم، وهذا يمنحني حرية كاملة في إخراج المخبوء من الأدراج دون أن يلحق بي، أو يستوقفني رجال المهمات الصعبة، ويسألونني إلى أين أنت ذاهب؟ ففي نهاية الأسبوع يسود الهدوء، ويكثر الغياب، ويسهل التسلل.. وأكمل قائلاً: صدقوني ما زلت مطر الخير والنماء، وأكره من يصفني بحامل لواء الخراب والتدمير. فما قدمته في زياراتي الأولى كان خيرًا لأهل جدة، وإنسانها الطيب. لكنكم فشلتم في قراءة مقصدي وتفسيره.. فمشاريعكم مغشوشة.. ومخططاتكم ملغومة.. وأنتم تغطّون في سبات عميق. ومضى يقول: جئتُ لتعرية المفسدين، وكشف ما تحت الطاولات.. وتعرية ممارسات بلطجية المشاريع. جئت لأتحدّث بلسان البسطاء.. وأنظر بعين المخلصين.. وأضرب بيد الحازمين.. سامحوني على الشهداء، فهؤلاء الطيبون حاولوا منعي، والتصدّي لزحفي، لكني تعاملتُ معهم بقسوة الكبير الذي يرى الأهداف أكبر من قيمة مَن يحب. واصل المطر رسالته قائلاً: المفسدون أعدائي.. فأحسنوا ضيافتي، وساعدوني في حربي ضدهم، واسألوا أنفسكم عن تاريخي، فأنا حبيب الطيبين، وصديق الشرفاء، آتيكم سعيدًا متى دعوتم الرحمن بقلوب مطمئنة، وأيدٍ نظيفة.. وآتيكم غاضبًا متى شعرت أنكم تركضون بعيون مغمضة، لا ترى إلاّ المصالح الشخصية.. فجأة رنّ الهاتف، فاستيقظتُ قبل أن أقرأ خاتمة الرسالة. فركتُ عينيّ ونظرتُ فيما حولي، وتذكرتُ أن خادم الحرمين الشريفين -ردّه الله سالمًا غانمًا- وسمو ولي العهد، وسمو النائب الثاني يتابعون الموقف، وحريصون على مصلحة الوطن والمواطن، ويعملون ليل نهار لإيجاد الحلول، ومحاسبة المقصّرين.. فاطمأن قلبي، وهدأ روعي، وعدت إلى وسادتي وأنا أكثر تفاؤلاً وثقةً..

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store
كاميرا المدينة