Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محمد خضر عريف

«وارزق أهله من الثمرات»

نعم.. الله يرزقنا في هذه البلاد المحكومة بشرعه من كل الثمرات دون انقطاع، فهلَّا شكرنا وما كفرنا، ألا بالشكر تدوم النعم خصوصاً في هذا الشهر الكريم

A A
مع حلول شهر رمضان المبارك في هذه الظروف الصعبة جالت بفكري بعض الخواطر. أذكر كما يذكر أبناء جيلي من المكيين سوقاً صغيراً كان يقع بالقرب من الحرم المكي الشريف يُسمى: «السوق الصغير»، كان نشطاً جداً في السبعينيات الميلادية إلى أن أزيل فيما بعد ضمن مشروعات توسعة الحرم الشريف. وهذا السوق رغم صغره وضيق مساحته كنتَ تجدُ فيه كل ما يلزمكَ من الاحتياجات الغذائية من لحوم ودواجن وأسماك وفواكه وخضراوات، بل وبعض محلاته تقدم الأطعمة الجاهزة الخفيفة كالسنبوسة والمخبوزات، ناهيك عن المشروبات الشعبية المعروفة في ذلك العهد والى اليوم كالسوبيا والحُمر وهو التمر الهندي. اللافت في ذلك السوق أنه كان يحوي فواكه مختلفة وخضراوات طازجة من كل صنف ولون، في زمن لم تكن الثلاجات الضخمة التي تحفظ الأطعمة قد ظهرت أو انتشرت، حتى أن الواحد منا آنذاك كان دائماً يسأل نفسه: من أين جاء الباعة بهذه المنتجات والمحاصيل الزراعية الجيدة؟، وسرعان ما كان الواحد منا يجيب نفسه باستحضار دعاء أبي الأنبياء لأم القرى وما حولها: «وإذ قال إبراهيم ربِّ اجعل هذا بلداً آمناً وارزق أهله من الثمرات»، وكلمة «أهله» في هذه الآية لافتة، لأنها تجمع كل من يُعتبرون من أهل هذا البلد الكريم، وكل أبناء المملكة العربية السعودية اليوم هم من أهله. وهذا الاستحضار لهذه الآية الكريمة كان يُفسِّر لنا توفُّر كل الأطعمة والأشربة في مكة المكرمة في زمن مضى، لم تكن فيه ثلاجات حافظة أو استيراد منظم من دول أخرى كما هي الحال اليوم.

خاطرة أخرى حول ما شهدتُه بنفسي قبل عشرين سنة أو يزيد في تونس حين قصدتُ مطعماً شعبياً في حي شعبي يقع خلف شارع الحبيب بورقيبة، وتناولت وجبة خفيفة لا تزيد عن طبق من «الكسكسي» وآخر من السلطة وقارورة ماء، ثم فوجئت بأن الفاتورة كانت عشرة دنانير، ما يعدل عشرة دولارات أي ما يقرب من أربعين ريالاً في ذلك الوقت، وخشيتُ أن أكون قد تعرضت لغش أو مغالاة، فسألت صاحب المطعم عن الفاتورة وقلت له إن السعر مرتفع جداً وإنني أستطيع أن أطعم عائلة كبيرة في بلدي بذلك المبلغ، فسألني: أنت من أين؟، قلت له: من السعودية، فأجابني بجواب تمنيت بعده لو أنني دفعت له مائة دولار قيمة تلك الوجبة: «نحن لسنا مثلكم، أنتم أطعمكم الله من جوع وآمنكم من خوف». تلك رؤية رجل من عامة الناس من تونس الخضراء، وفهمُه لما أسبغ الله من نعمة على هذه البلاد المسلمة التي أمَّن الله الناس جميعاً فيها بمعزل عن أعراقهم وألوانهم، وقدومهم إليها من كل فج عميق، وهو أمر لمسه الجميع ونحن نعيش في خضم هذه الجائحة، حين أمر قائد هذه الأمة خادم الحرمين الشريفين بعلاج كل مصاب بهذه الجائحة من المواطنين والمقيمين أو حتى المخالفين لأنظمة الإقامة، وهو ما لم يتحقق في أي دولة متقدمة أو نامية على وجه البسيطة. والأمر المهم الآخر: أن المملكة ولله الحمد لم تواجه أي نقص في الاحتياجات الغذائية أو المعيشية أو الطبية منذ بداية الأزمة بل شهدت وفرة كبيرة في كل الاحتياجات، وليس من رأى كمن سمع، فمن زار منا أي سوبرماركت خلال الفترة الماضية لا شك رأى بعينه كل المواد الغذائية وغيرها مكدسة كالجبال، خاصة في محلات (الهايبر) الضخمة وهي معروفة. وما يلفت النظر حقاً أن الأسعار بدل أن ترتفع بحكم عامل العرض والطلب انخفضت إلى حد غير مسبوق، حتى إني شهدت بنفسي انخفاض بعض السلع الأساسية كالزيت والحليب والأرز إلى خمسين بالمائة، في الوقت الذي خلت فيه أرفف السوبرماركت في الدول المتقدمة وفي مقدمتها أمريكا من أي شيء يؤكل كما أفادتني وأعلمتني ابنتي المبتعثة إلى أمريكا وتحديداً في نيويورك، وعلمت منها أيضاً أن المعقمات والكمامات والقفازات منعدمة في الأسواق العامة والإلكترونية.

نعم.. الله يرزقنا في هذه البلاد المحكومة بشرعه من كل الثمرات دون انقطاع، فهلَّا شكرنا وما كفرنا، ألا بالشكر تدوم النعم خصوصاً في هذا الشهر الكريم.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store