Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محمد بشير كردي

صرخة حق موجعة

A A
عيد بِأَيَّةِ حَالٍ عُدْتَ يَا عِيدُ

بِمَا مَضَى أَمْ بِأَمْرٍ فِيكَ تَجْدِيدُ؟

قالها المتنبي؛ شاعر العرب قبل مئات السنين وما يزال بنو يعرب يرددِّونها حتَّى اليوم لتعبِّر عن شقاء الحياة ومعاناتها عند الكثيرين، وفي مقدِّمتهم من سلبت منه السلطة والنفوذ أو المال والجاه حتَّى كادت الغالبيَّة من بني قومنا يرونها من صفات هذا الزمن وطبائعه، فقبلوها على علَّاتها وتعايشوا مع خيرها وشرِّها قانعين بقوله تعالى: ﴿قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾.

ومع الإيمان بحول المولى وقدرته، ضعف التعامل إيجابيًّا مع الإيمان ومتطلَّباته من العلاقات الإنسانيَّة القائمة على التعاون والتعاضد لما فيه خير البلاد والعباد. وحلّ محلَّها من أشكال الظلم والطغيان والاستعباد ما فرَّق بين الأخ وأخيه، وألغى روابط الحبِّ والمودَّة، وجعل من الجاه والسلطة الهدف السامي للغالبيَّة من بني الإنسان! وقد فقدت غالبيَّتهم كرامة بني آدم، وأصبح الجاه والمال والسلطان هو مقياس العزَّة والكرامة.. فعمَّت الفتن والحروب والقتل والنهب والسلب تحت مظلَّة تجَّار الطوائف والمذاهب، وعمَّ الفساد في البرِّ والبحر.. وبات من الواجب في مثل هذه الحالة المخزية، صرخة حقٍّ موجعة تشعر الجميع بأنَّ الله حقٌّ، وأنَّ عقابه شديد قريب كصفحه ومغفرته كقوله تعالى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾.

وما جائحة الوباء التي عمَّت العالم، وشلَّت قدرته على الحركة والتعامل والتقارب حتَّى بين أفراد الأسرة الواحدة على غير ما نعهد من الفرقة والتباعد من قبل.. ولأنَّ لا يأس من رحمة الله، فكأنَّ الحياة تعيد ترتيب أوراقها ليبدأ عهد إنساني جديد من العلاقات البشريَّة، نرجو من الله الذي أعلمنا ألَّا نقنط من رحمته أن يحينا لنشهد معالمه وخيراته في المستقبل القريب.. ويكون عيدنا القادم يحمل في طيَّاته بشائر الخير ليس لنا فقط، بل للعالمين أجمعين.. والله جلّ وعلا يقول: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ﴾.. ومهما ابتعدت المجتمعات واختلفت العبادات، نبقى متساوين في إنسانيَّتنا، وربنا القائل: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾.

إذا كانت جائحة كرونا قد وحَّدت العالم من خوف وخشية من القادم، فالأولى أن نتيقن حكمة الله، ونسلك في الدرب كما أمر لسعادتنا في الحياة الدنيا والإبقاء على صالح الأعمال، لأنَّنَا في النهاية إليه تعالى مآبنا، وصدق أحكم القائلين: ﴿يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ﴾، فالرجوع إلى الله أولى.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store