Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محمد خضر عريف

تكاثرت الضباء على خراش

A A
مازلنا في شهر شوال.. وشوال كله عيد، ويسمى عند البعض شهر العيد، ولكن بعد أن انقضت أيام العيد، وتوقفت بانقضائها (عاصفة) رسائل التهنئة من نصية وواتس وسواها، بقيت بالطبع عواصف أخرى لا تنقطع ولا تتصل بعيد أو شهر جديد من رسائل التواصل التي تنهمر كالمطر على جوالك وعلى كل حواسك ليل نهار، من خلال (القروبات) التي تضاف إليها كل يوم بإذنك أو بغير إذنك، وتفاجأ حين تصحو كل صباح بأن عدد رسائل الواتس وحدها تجاوزت المئات.

وكما يقول الشاعر:

تكاثرت الظباء على خراشٍ

فما يدري خراشٌ ما يصيد

وأصبح كل الناس في هذا الزمن (خراشًا) دون أدنى شك.. وفي خضم هذا اليم المتلاطم الأمواج تضيع الرسائل المهمة ويختلط الغث بالسمين، ويضيع الهدف الأهم من استخدام وسائل التواصل في قضاء حوائج الناس وايصال المعلومة المهمة النافعة لهم، وأصبح كل من يملك جهازًا ذكيًا يرسل كل ما لديه، أو كل ما يصل إليه إلى كل من لديه أرقامهم، ولم تعد خدمة الإنترنت عائقًا لكثرة عروض شركات الاتصال، حتى أن عمال النظافة (وليس هذا تقليلًا من شأنهم) تراهم على قارعة الطريق، وكل منهم ممسكًا بهاتفه الذكي (ويطقطق) عليه باحترافية عالية، وينطبق ذلك على العمالة المنزلية وسواها، ومن العجب أن العقود الجديدة للعمالة المنزلية تتضمن بندًا يلُزم صاحب العمل بتوفير هاتف ذكي للعاملة وعدم منعها من استخدامه، رغم كل المخاطر المترتبة على ذلك، التي يعلمها الجميع.

ومن مآسي هذا السيل العرم الذي ينهال على رؤوسنا كل يوم ما حصل معي شخصيًا خلال أيام العيد، حين بعثت رسالة واتس الى طبيب أستشيره في حالة صحية مهمة والرسالة مصحوبة بصورة للمريض، ولم يردّ عليّ الطبيب إلا بعد ثلاثة أيام وتضمنت رسالته عبارة تقول: «العفو منك فقد (اندفنت) رسالتك في سيل رسائل العيد، وما كان يمكن لي أن أجدها أو أنظر فيها أبدًا»!!.

ومن العجيب حقًا أنك إن غادرت بعض هذه القروبات التي توضع فيها «عنوة» و»رغم أنفك» انهالت عليك التعليقات من منشيء القروب أو بعض المشاركين فيه: لماذا غادر فلان؟ وما الذي أزعج علان ليغادر قروبنا وهكذا.. وأصبح الأمر لا يحتمل المجاملة أو التذرع بالانشغال أو السفر، فكثير من المغادرين يسجلون عبارة تسبق مغادرتهم تقول ان المغادرة كانت بسبب كثرة القروبات وعدم القدرة على متابعتها.. والواحد منا يتساءل دومًا من أين تأتي كل هذه الرسائل؟ وما مصدرها؟ ورغم كل الضوابط التي وضعت لها، إلا أنها مازالت تُرسل للناس كيفما اتفق، وكثير من مرسليها يهرفون بمالا يعرفون، فتجد فتاوى شرعية صادمة أو خاطئة أو وصفات طبية شعبية ضارة وغير مقننة، وعلمت ممن هم من حولي أن كثيرًا من الناس من العوام وغير العوام يعمدون إلى استخدام تلك الوصفات بسبب معاناتهم من بعض الأمراض خصوصًا المزمنة، وأذكر عشرات الوصفات التي رأيتها لعلاج السكري وعشرات منها أيضًا للروماتيزم وسواها.. والأخطر الأخذ بالتفاوى الشرعية التي لا أصل لها ولا توثيق.. ناهيكم عن الشائعات والأخبار الملفقة التي تثير القلق لدى الجمهور أو تمنيهم بما يسرهم زورًا وبهتانًا.. والقائمة تطول.

وسمعنا كثيرًا عن عقوبات للجرائم الإلكترونية، ولم نسمع أنها طبقت على أحد نعرفه رغم كل هذه الويلات التي تجرها هذه الرسائل.. والعجيب أنك حين ترد على بعض تلك الرسائل وترسل ردك إلى مرسليها يجيبك إجابة سأذجة جدًا: «هكذا وردتني»!

وكأن كل ما يردك يصلح لتشيعه بين الناس دون أن تنظر أو تمحص فيه أو لتحتفظ به لنفسك إن لم تكن متأكدًا من صحته أو أن علمك يقصُر عن الحكم عليه بالصحة أو البطلان.

وبعد فهي فرصة سانحة لالتماس العذر لإخوة أو أحبة قصروا في ارسال رسائل التهنئة لبعض المقربين أو الخاصة بحلول العيد السعيد، نظرًا لتداخل هذه الرسائل الذي لا حدود له، ولكثرة الأسماء التي يضمها هذا الجهاز السحري العجيب، ومجددًا كل عام وأنتم بخير.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store