Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محمد خضر عريف

هل كنا في حظر حقًا؟!

A A
في الشهور القليلة الماضية، مررنا بتجربة الحظر الكلي والجزئي، وهي بتقديري تجربة فريدة، وغير مسبوقة، نافعة ولاشك، مر بها سكان المملكة كلهم، سعوديون ومقيمون على مدة شهور قليلة طبق فيها حظر للتجوال جزئي أو كامل، ووضعت له ضوابط وقواعد عني لها أن تخفف عن الناس قدر المستطاع، بحيث لا تضِيق أو تضيّق عليهم سبل العيش، ولا يواجهون مشكلات حقيقية في قضاء مصالحهم على اختلافها بين صحية ومعيشية وتموينية وخدمية ومالية وغيرها.

فعلى المستوى الصحي والاستشفائي سمح لكل مريض لديه موعد مراجعة للمستشفى أن ينتقل اليها دون قيود، ثم يعود منها الى داره وهو يحمل إفادة مختصرة من المستشفى بأنه كان فيها خلال ساعات معينة مهما استغرق ذلك من وقت فلا يعترضه أحد ولا يُساءل من قبل رجال الأمن المنتشرين في الطرق والشوارع خلال فترة الحظر، والحق يقال: كما شهدت بنفسي، وكما سمعت من كثير من الأقارب والأصدقاء أن تعامل رجال الأمن مع الجميع كان قمة في الرقي واللباقة والتقدير لظروف الناس وأحوالهم، ولم أسمع (من طرفي علي الأقل) عن أي شخص طبقت عليه العقوبة النظامية بغرامة عشرة آلاف ريال أو توقيف أو غير ذلك رغم أنها شرعية وقانونية ولازمة..

وكل ذلك يشي بأن هناك تعليمات من الجهات المختصة بالتعامل بأقصى درجات الرفق والحسنى مع كل أفراد المجتمع من قبل رجال الأمن خلال فترات الحظر.. خلاف ما سمعناه وشهدناه في دول مختلفة جارة أو بعيدة، متقدمة أو نامية، غنية أو فقيرة، من غلظة وشدة وتعسف في التعامل مع المخالفين حتى وصلت الى حد القتل في بعضها، والضرب في كثير منها مع غرامات مالية قاسية للغاية.

ذلك على مستوى الرقابة على الحظر، أما على مستوى السماح بقضاء الحاجيات وشراء المستلزمات الغذائية والدوائية، فقد شهدت كما شهد غيري سماحًا تامًا للناس للتجوال في حدود أحيائهم السكنية حتى في أوقات الحظر الكلي لشراء الطعام والشراب ومستلزمات المنزل المختلفة من أي سوبر ماركت أو مركز تموين قريب منهم سواء كانوا راجلين أو مستقلين لسيارة على أن لا يزيد عدد ركابها عن اثنين.. ولم أسمع عن صديق أو أحد من المعارف تعذر عليه أن يقصد متجرًا أو مخبزًا أو صيدلية في محيط سكناه ليوفر كل احتياجاته.. وتعج كل مدننا الكبيرة والصغيرة على السواء ولله الحمد بمراكز التسوق الغذائي وغيره، ويشمل ذلك الأحياء العّصيّة في أطراف المدن شمالا وجنوبًا وشرقًا وغربًا ولله الحمد والمنة.. اضافة إلى أن فترة الحظر كلها: الكامل والجزئي لم تشهد نقصًا في أي مواد تموينية على الاطلاق، بل تميزت بالوفرة والكثرة مع تدني الأسعار، كما أشرت اليه في مقالة سابقة، وهو أيضًا خلاف ما حصل في كل دول العالم تقريبًا الغنية والفقيرة -كما أشرت إليه سابقًا أيضًا- فقد شحت منتجات كثيرة زراعية وغيرها وغلا ثمنها اضافة الى المنظفات والمعقمات والكمامات والقفازات وسواها خصوصًا في أمريكا.

وعلى مستوى المطاعم، ومع أنها أغلقت ابوابها أمام المرتادين كي لا يتناولوا الطعام فيها ويحصل الزحام والتجمع الذي يؤدي للانتشار للفيروس كما هو معروف، فقد وفرت كل المطاعم خدمات متميزة جدًا للتوصيل لكل الطلبات مجانًا أو بتكاليف لا تذكر، فلم يشعر المستهلك بأي نقص فيما يحتاجه من الأطعمة من مختلف المطاعم على مدى فترة الحظر كلها، وخصوصًا في رمضان حين سمح للمطاعم كافة بأن تفتح من الثالثة ظهرًا حتى الثالثة فجرًا كل يوم، وأمكن للناس أن يقصدوها لشراء ما يريدون حتى نهاية السماح بالتجوال، وبعد ذلك يحصلون على طلباتهم عن طريق (الأون لاين) ولم تقتصر خدمات التوصيل على الطعام بل شملت كل الحاجيات من ملابس وإلكترونيات وسواها، وفي المملكة اليوم أنظمة عدة للتوصيل تفوق ماهو موجود في أكثر دول العالم تقدمًا ولله الحمد بما فيها أمريكا.

وأخيرًا.. هل كنا في حظر حقًا؟ لم نكن في حظر أبدًا بل كنا وما نزال محفولين مكفولين مخدومين في بلاد الأمن والأمان زادها الله تشريفًا وتعظيمًا.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store