Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. علي آل شرمة

حزم الدعم الجديدة تنعش الاقتصاد

A A
مرة أخرى تؤكد القيادة الرشيدة وقوفها إلى جانب القطاع الخاص، وحرصها على مد يد العون له، وتقديم كافة التسهيلات التي من شأنها مساعدته على تجاوز آثار جائحة كورونا، وتخفيف الآثار المالية والاقتصادية على الأفراد ومنشآت القطاع الخاص والمستثمرين.. وبعد حزمة الدعم الهائلة التي قدمتها الدولة في بدايات ظهور الوباء، والتي استمرت عدة أشهر وتجاوزت قيمتها 215 مليار ريال، للحفاظ على وظائف السعوديين عبر تحمل قسم كبير من رواتبهم، وتأجيل الكثير من الرسوم والزكاة وضريبة الدخل، وتقديم سلسلة إعفاءات من الغرامات والجزاءات، صدر الأمر السامي بتمديد عدد من تلك المبادرات لمدة إضافية؛ لتحقيق الاستفادة الكاملة منها.

هذه الحزمة الجديدة من الدعم تأتي امتداداً للتوجه الحكومي الراسخ في دعم الأفراد وقطاع المستثمرين ومنشآت القطاع الخاص وتعزيز دورهم باعتبارهم شركاء في تنمية الاقتصاد الوطني، وهي النظرة التي تتسق تمامًا مع التوجه العالمي الرامي إلى تمكين هذا القطاع من قيادة دفة الاقتصاد، وهو ما أكدت عليه رؤية المملكة 2030 التي دعت في كثير من بنودها إلى تعزيز دوره وزيادة نسبة إسهامه في الناتج القومي، عبر سياسات مدروسة ومحددة بعناية.

ويخطئ من يظن أن القطاعين العام والخاص هما خطان متوازيان لا يلتقيان، فهما شريكان بصورة أصيلة في تنمية الدولة والمجتمع، يكمل كل منهما الآخر ولا يتعارض معه أو يتناقض.. لكن الاقتصاد الحديث يقوم بصورة أساسية على منح القطاع الخاص فرصة أكبر في تنمية الاقتصادات الوطنية، نسبة لما يمتاز به من مرونة فائقة، وقدرة على توفير فرص وظيفية متميزة للشباب، ورفع العبء عن الأجهزة الحكومية وإعطائها الفرصة للتفرغ للقيام بالأدوار التي تؤدي إلى تنمية المجتمعات ونهضتها.

هذه النظرة الثاقبة والسياسة الحكومية تؤكد من جديد أن القيادة السعودية تركز على هذا القطاع الحيوي، وتسعى بكل ما أوتيت من قوة لدعمه وتعزيز دوره، وهو ما يستوجب على رجال الأعمال مقابلة هذا التوجه بإيجابية تتمثل في إنفاذ السياسات الاستراتيجية للدولة، لاسيما المتمثلة في توفير الفرص الوظيفية وتقليل نسبة البطالة وسط الشباب السعودي، لتحقيق الأمن المجتمعي أولا ثم توفير عشرات المليارات من الريالات التي تحولها العمالة الوافدة إلى بلدانها بصورة سنوية، إضافة إلى تجنب الأضرار الأخرى العديدة التي تترتب على تزايد العمالة الوافدة، لاسيما أن أعدادًا كبيرة منها لا تحمل مؤهلات علمية ولا خبرة عملية.

وكما يقول علماء الاقتصاد والتخطيط فإن الأهداف الطويلة الأجل تبقى أشد تأثيرًا وأعمق أثرًا، فإن واجب رجال الأعمال يتطلب منهم عدم التركيز الكامل على تحقيق المكاسب الآنية العاجلة، والإسهام بصورة فاعلة في حل مشكلة البطالة، ليس فقط بمجرد توظيف السعوديين في وظائف ثانوية لا تقدم ولا تؤخر، بل إن من المهم الإسهام في تطوير وتنمية مهارات أولئك الشباب، عبر إلحاقهم بدورات تدريبية مكثفة، وتبني سياسات التدريب المنتهي بالتوظيف على غرار ما بدأته الدولة في مشروع نيوم، حيث يتلقى الشباب من خريجي الجامعات وحملة الشهادات الثانوية تدريبًا متقدمًا بحسب الوظائف التي تناسبهم، وهذا الأسلوب يحمل في طياته الكثير من المكاسب للطرفين، فالشباب حديث التخرج يحصل على فرصة ذهبية للتدريب وصقل المهارات وتعزيز الكفاءة، كذلك فإن رجال الأعمال يضمنون توظيف شباب مؤهل قادر على أداء متطلبات الوظائف التي يشغلونها، بما يجعلهم أكثر إنتاجية.

ربما يبدي البعض تخوفهم من هذا المقترح على أساس أن رجال الأعمال سوف يضطرون حتمًا لإنفاق مبالغ مالية كبيرة على توفير التدريب المطلوب للشباب، وفي نفس الوقت لا يضمنون استمرارهم بعد الانتهاء من التدريب، وهذه مشكلة يمكن حلها عن طريق توقيع عقود ملزمة للطرفين، تضمن وزارة العمل تنفيذها، وهكذا تكون حقوق الطرفين محفوظة، ويكون رجال الأعمال قد استثمروا أموالهم في تدريب وتأهيل الشباب السعودي، وما أعظمه من استثمار.

هناك الكثير من الأفكار التي يمكن عن طريقها رد الجميل إلى هذا الوطن المعطاء الذي لم يتأخر على أصحاب القطاع الخاص بشيء، ووفر لهم بيئة مثالية للعمل وتحقيق الأرباح، ومن الإنصاف القول إن قسمًا كبيرًا من رجال الأعمال الوطنيين يسهمون في تنمية الوطن وتطوره عبر منتجاتهم المتميزة، وإسهاماتهم الكبيرة في برامج المسؤولية المجتمعية، وأعمالهم الخيرية الكبيرة.. لكن هذا العطاء ينبغي أن يكون توجّهًا عامًا لا يقتصر على فئة دون غيره، وأن يتخذ شكلا جديدًا يتواكب مع متطلبات المرحلة الحالية، فبدلا عن مساعدة الأسر الأكثر احتياجًا يمكن تدريب أبنائها ليصبحوا مصادر دخل ثابتة لها، أو تمكين الأسر المنتجة من وسائل الإنتاج التي تتيح لها الحصول على مصادر مالية كافية، تكفيها شر الحاجة ومذلة السؤال.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store