Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محسن علي السهيمي

هل تقدِّر الجامعة إبداع الأكاديمي؟

ولو افترضنا جدلاً أن الأكاديمي تميز إبداعيًّا (علميًّا، أدبيًّا..) ونال إحدى الجوائز (العالمية) ألا ينعكس ذلك على تصنيف جامعته وترتيبها؟ إن كان ذلك، فلماذا تتهاون الجامعات في هذا الجانب؟

A A
يخضع الأكاديميون في الجامعات لطيف من المعايير التي يتم في ضوئها منحهم الترقيات المستحقة؛ نتيجة وفائهم بتلك المعايير، في ظل تنوعٍ ظاهرٍ في قدراتهم؛ فمنهم من لديه تفوق في البحث العلمي، وآخر في تحقيق الكتب والمخطوطات النادرة، وآخر في الابتكارات والاختراعات، وآخر في الترجمة، وهناك مَن لديه (نشاط إبداعي بارز) يستحق أن يُقدَّر ويُعطى من الاهتمام ما يرفد صاحبه في مجال الترقيات أسوة بغيره من مجالات الإنتاج العلمي التي يُطالَب بها الأكاديمي ليكون مستحقًّا للترقية.

النشاط الإبداعي له عدة أوجه، ومن ذلك (النشاط الإبداعي الأدبي) كالشعر والقصة والرواية وغيرها من الفنون الأدبية التي يبرز فيها بعض الأكاديميين في الكليات النظرية -خاصة كليات اللغة العربية وأقسامها- فنراهم يُخرِّجون للمكتبة العربية نتاجًا أدبيًّا مميزًا.. لا خلاف على أن هناك أولويات لدى الأكاديمي مطلوب منه الوفاء بها وبالتالي التقييم في ضوئها، كـ(التدريس وما يتعلق به، والإنتاج العلمي، وخدمة الجامعة والمجتمع)، وهذه أضلاع رئيسة في تقييمه وترقيته، لكن لو أننا أمعنَّا النظر في تلك الأولويات لوجدنا جهد الأكاديمي موزعًا بين التدريس الذي هو محور وجوده في الجامعة، والإنتاج العلمي الذي هو القنطرة الأظهر لترقيِّه الأكاديمي، أما خدمة الجامعة والمجتمع فتكاد تذوب -على الترتيب- في زحمة اشتغاله بالتدريس والبحوث، ومن باب أولى تلاشي اهتمامه (بالنشاط الإبداعي الأدبي) في ظل تزاحم تلك الاشتغالات عليه.

من هنا جاء التساؤل عن تقدير النشاط الإبداعي للأكاديمي ومنه (النشاط الإبداعي الأدبي ذو القيمة)، هل يُلتَفت إليه في تقييم الأكاديمي؟ وهل يُعد ميزة يمكن أن يستفيد منها الأكاديمي؟ وهل تساهم الجامعة في تعزيز هذا النشاط الأدبي لدى المبدع الأكاديمي بمنحه قيمة معينة، أم أنها تتسبب في ضموره؟ يظهر لي أن الجامعات (العربية منها والمحلية) تشير إلى النشاط الإبداعي في لوائح الترقيات، لكنها لا تقرره بوضوح إلا في جانب (الإنتاج العلمي البحت) كالاختراعات، في حين تشير (القواعد التنفيذية لترقية أعضاء هيئة التدريس) في مادتها الـ(٢٩) فقرة (٩) إلى أن (النشاط الإبداعي المتميز وفق قواعد يعتمدها مجلس الجامعة... يدخل ضمن الحد الأدنى للإنتاج العلمي لترقية أعضاء هيئة التدريس). وقد أشار صاحب كتاب (سياسات تعيين أعضاء هيئة التدريس..) كاثي أ. تراور إلى أن «هناك ١٧٣ (85%) مؤسسة تستخدم طيفًا من المعايير التي يُحتكم إليها في تقييم البحث العلمي والعمل الأكاديمي أو (النشاط الإبداعي)..»، وهو بهذا يؤكد على أهمية النشاط الإبداعي ويُدخله ضمن معايير التقييم. وعلى هذا ترتسم علامات التعجب من (صمت) الجامعات تجاه (النشاط الإبداعي) وعدم توضيحها وتفسيرها لمضامينه وتفعيلها له بشكل ظاهر وجلي، اللهم إلا في حدود ضيقة تتعلق -كما ذكرتُ آنفًا- بالبحث العلمي البحت. من هنا يحق للأكاديميين ممن لديهم (نشاط إبداعي أدبي ذو قيمة) أن يتساءلوا عن مكانه في لائحة التقييم والترقيات، خصوصًا ولائحة القواعد التنفيذية نصت على دخول النشاط الإبداعي -ومنه النشاط الإبداعي الأدبي- ضمن معايير الحد الأدنى للإنتاج العلمي.

ولو افترضنا جدلاً أن الأكاديمي تميز إبداعيًّا (علميًّا، أدبيًّا..) ونال إحدى الجوائز (العالمية) ألا ينعكس ذلك على تصنيف جامعته وترتيبها؟ إن كان ذلك، فلماذا تتهاون الجامعات في هذا الجانب؟

من جهة أخرى ألا يمكن أن تتعاون الجامعات مع وزارة الثقافة ومؤسساتها الثقافية فتعهد إليها بتقييم النتاج الإبداعي الأدبي للأكاديميين ثم طباعته، ومن ثَم تُدرج الجامعات هذا التقييم في نقاط ترقيتهم؟ وبالمثل ألا يمكن أن تستفيد وزارة الثقافة من المبدعِين الأكاديميين في تفعيل بعض أنشطتها، خصوصًا وهم يستندون على خلفية علمية تتضافر مع المواهب الإبداعية الأدبية لدى البعض منهم؟ وبهذا تساهم في إخراجهم إلى فضاء المجتمع وخدمته، خصوصًا وهذه الخدمة هي أحد أضلاع مثلت تقييم جهودهم التي تُبنى عليها ترقياتهم.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store