Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. أيمن بدر كريّم

في منتصف العمر

A A
يتعرّض كثيرون لما يُسمى اصطلاحًا «أزمة منتصف العمر»، وترتبط بشكل وثيق بأعراض الاكتئاب والشعور بالبؤس والتعاسة، وتصل ذروتها حول عمر الأربعين للنساء، والخمسين للرجال، وتتضمّن هذه «الظاهرة» إعادة اكتشاف الذات، وإدراك حقيقة التقدّم في العُمر، وملاحظة تغيّرات البدن كزيادة الوزن وترهّلات الجلد، أو الإصابة بأمراض مزمنة، فضلاً عن مضاعفات خيبات الأمل والصدمات العاطفية والنفسية، وتوتّر الإنجاز، والتفكّر في حقيقة الموت والفناء، وارتفاع الوعي والإدراك، وإعادة تقويم المبادئ والقيم.

وتشير تقارير إلى أن السعادة في الحياة تأخذ شكل منحنى (U) حيث يتزامن قعر المُنحنى مع سنوات مُنتصف العمر (الأربعينيات)، ثم يرتفع بعدها، إذ يعترف كثير من الأشخاص في الستينيات من العُمر بأنهم يشعرون بالسّعادة أكثر من أي وقت مضى في سنوات أعمارهم المُتوسطة.. وفي السياق نفسه، وبحسب المركز الأمريكي للوقاية والتحكّم في الأمراض، يزداد معدّل الإصابة بالاكتئاب لدى النساء خلال هذه الأعمار (40 - 59) ليصل إلى نسبة (12%)، كما يتعرّض الرجال في مُنتصف العمر إلى أعلى معدّل انتحارٍ، من بين الأعمار المُختلفة.

ومن ضمن العوامل المُساعدة على الإصابة بهذه «الأزمة»، فرْط التوتر والإجهاد والاستنزاف نتيجة المسؤوليات المهْنية والاجتماعية، كرعاية الآباء المُسنّين، والأبناء الصغار، والمحافظة على الزواج وأعباء الوظيفة، وفرط التفكير في تأمين المستقبل المعيشي خلال سنوات التقاعد.. كما تعد تجارب الطّلاق وفقد شخصٍ عزيز، من أسباب إثارة أعراض الحزن والانعزال الاجتماعي، واتباع نمط حياةٍ خامل وغير صحي، يُعزز ظهور أزْمات نفسية ترتبط بفرط النّدم على الأخطاء والقرارات الحياتية غيـر الصائبة.

الأمر الجيّد في هذه «الأزمة»، أنّها قد تفتحُ للشّخص باب الفُضول وتجربة الجديد، وتُعرّض الذهن لآفاق فكرية وفرص إبداعيةٍ جديدة، وتؤدّي إلى استجلاب الحكمة والبصيرة، واستشعار الحرّية، واكتساب الثقة بالنفس، واكتشاف اهتماماتٍ ومواهب كانت محجوبة بزحمة الحياة والعمل، بل إنّ نوعية العلاقات الاجتماعية كالصّداقات، تُصبح أكثر عُمقا وجمالاً ومتانةً، فضلاً عن أنّ الشعور بالرضا بالإنجازات، والامتلاء بالحكمة ونقلها للآخرين، وترك بصمة في الحياة، شعورٌ بهيجٌ لا يُقدّر بثمن.

من الضروري نشر ثقافة التعرّف على هذا النوع من الاضطراب الذي يصعب تجنبه، والتعامل معه بالحفاظ على اللياقة البدنية بالرياضة، والذهنية بالقراءة والتواصل الصّحي مع أفراد العائلة والمجتمع، والتغذية السليمة، والتحكّم في الأمراض العضوية، وتطوير نمط الحياة الرتيبة والعمل الروتيني، وحماية أوقات الرّاحة والنّوم والرفاهية، إضافة إلى طلب المُساعدة دون تحرّج من المختصّين النفسيّين.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store