Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. علي آل شرمة

الإعلام ليس مهنة العابثين

A A
أحسنت هيئة الصحفيين السعوديين صنيعاً وهي تتصدى أخيراً للناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي مثل «فيسبوك» و»سناب شات» الذين يطلقون على أنفسهم صفة «إعلامي» دون أن تكون لهم علاقة فعلية بهذه المهنة الهامة التي يعول عليها كثيراً لتصبح رقيب المجتمع على أداء مؤسسات الدولة وضمان الصالح العام وغير ذلك من الأدوار المهمة. كما أن هذه المهنة التي ينادي العالم كله بتمكين العاملين فيها من القيام بمهامهم وعملهم بمنتهى الحرية وتمكينهم من الوصول غير المشروط لما يريدونه من معلومات، وضمان عدم ملاحقتهم بصورة انتقامية، شريطة تمسكهم بميثاق الشرف الذي يحكم عملهم.

وتوعدت الهيئة كافة المتطفلين على المهنة، موضحة أنها تابعت خلال الفترة الماضية بعض الممارسات الخاطئة التي يقوم بها هؤلاء باسم الصحافة، وهم بعيدون كل البعد عن العمل في هذا المجال.

المتابع لوسائل التواصل الاجتماعي يجد أنها أشبه ما تكون بسوق ضخم يعج بعشرات الآلاف ممن يعرضون سلعهم ويسوقون لبضائعهم بمختلف الطرق والوسائل، لذلك فإن من الطبيعي أن يكون بين هؤلاء من يحمل بضاعة فاسدة لا تتناسب مع أذواق الشعب السعودي، أو يحاول بث الفتنة والدعوة إلى الطائفية والعنصرية وغيرهما مما يؤدي إلى الفرقة ووجود حالة من البلبلة وسط الناس. ويزداد الخطر من وجود متابعين لهؤلاء، لاسيما بين فئة الشباب وصغار السن وقليلي التعليم ممن يسهل خداعهم.

ومع التسليم -بطبيعة الحال- بوجود آخرين يبذلون الجهد ويميلون إلى الإبداع والابتكار وتقديم منتجات تسويقية أو ترفيهية أو ثقافية راقية يمكن أن تقدم خدمة للمجتمع، إلا أنه حتى هؤلاء لا يحق لهم انتحال صفة إعلامي، وعليهم إطلاق ما يستحقونه من مسميات مثل «يوتيوبر» أو «سنابر» أو غيرهما من المصطلحات، لأن تلك هي الحقيقة، والإعلام مهنة مضبوطة بقواعد معلومة، وهناك جامعات تقوم بتدريس قواعده وأصوله، وهيئة تتولى تنظيم المهنة وتدافع عن حقوق العاملين فيها.

كذلك فإن انتحال شخص ما لمهنة أو صفة ليست له يعتبر في عرف القانون جريمة يتعرض مرتكبها للعقاب والمساءلة، لأنه يكون قد استفاد من تسهيلات تمنح له بحكم الوظيفة التي انتحلها، وبالتالي يكون قد ارتكب جريمة الاحتيال. أما قيامه بنشر وبث ما ينتجه من مواد على شبكات التواصل الاجتماعي ومواقع الإنترنت فإن ذلك يوقعه أيضا في مخالفات قانونية، لاسيما إذا كان ذلك المنتج يؤدي إلى الإخلال بالأمن أو النظام العام أو التدخل في حياة الآخرين والمساس بحرياتهم وحقوقهم وهي العقوبة التي تولت المادة السادسة من نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية تحديد عقوبتها بالسجن مدة لا تزيد على خمس سنوات وبغرامة لا تزيد على ثلاثة ملايين ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين.

هناك نقطة في غاية الأهمية ينبغي التنبه لها، وهي أن هيئة الصحفيين السعوديين، رغم قوة موقفها بالتصدي لهؤلاء المتطفلين على المهنة، إلا أنها في ذات الوقت مطالبة بوضع تعريف وتوصيف محدد لمهنة الإعلامي واشتراطات تحدد ماهية العاملين في هذه المهنة، لإغلاق الباب على المتطفلين الذين يدعون انتسابهم لها، والذين يسعون إلى التكسب المالي والإعلاني عبر جذب المتابعين لحساباتهم، في سباق كسب المعلنين.

هذه المهمة يمكن أن تكتمل عبر وضع معايير واضحة بحصر العاملين سواء كانوا في جهات حكومية أو مؤسسات خاصة، ومنحهم رخصاً لمزاولة المهنة، أو بطاقات عضوية يمكن أن تمثل أيضاً مصدر دخل للهيئة إذا تم وضع رسوم محددة، وهذه الأموال يمكن للهيئة أن تستعين بها في أداء مهامها المنتظرة منها.

فالمتابع للواقع الإعلامي يدرك أن مهنة إعلامي هي أكثر المهن المعرضة للقرصنة والادعاء بالانتساب إليها لعدم وجود تلك التعريفات الواضحة، فهناك الكثير من المهن التي لا يستطيع المتطفلون ادعاءها بسهولة مثل المحاماة والهندسة والطب والصيدلة، وذلك بسبب وجود اشتراطات صارمة تحدد المنتسبين لها، وهذه الثغرة ينبغي لهيئة الصحفيين المسارعة إلى إغلاقها بالتنسيق مع وزارة الإعلام والجهات المختصة.

إعلامنا هو رأس الرمح في معركة البناء والتنمية، وهناك كثير من الأدوار التي ينتظر منه القيام بها لتعزيز وإسناد الجهود الضخمة التي تبذلها الدولة للرقي بالمجتمع، كما أنه حجر الزاوية في التصدي للهجمات المغرضة التي تتعرض لها البلاد من دوائر الشر التي لا تريد لها الخير والنهضة. لذلك فإن تنقية المجتمع الإعلامي من العابثين والمتطفلين يبقى مهمة على جانب كبير من الأهمية.

هذا الدور ينبغي القيام به على وجه السرعة، حتى يستطيع الإعلاميون السعوديون والصحفيون الشرفاء مواصلة رحلة التميز التي عُرفت بها مؤسساتنا الصحفية التي قطعت شوطاً كبيراً في رحلة الإجادة والتميز، ومقارنة بسيطة بين الإعلام السعودي ونظرائه في الدول العربية الأخرى تؤكد أن إعلامنا في مرتبة متقدمة على مستوى التحرير والإخراج، وتتمتع فضائياتنا، الحكومية والتابعة للقطاع الخاص بالنسبة الأعلى في المشاهدة والمتابعة.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store