Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. عادل خميس الزهراني

البنيوية من جديد: رؤى في النظرية والتطبيق!!

A A
كانت محاضرة (البنيوية: رؤى في النظرية والتطبيق) التي قدمتُها قبل أمس الثلاثاء، بتنظيم من مجموعة الأدب والبلاغة، وإدارة د. ناصر الحميدي فرصةً سانحة لتناول واحدة من أهم الحركات الفكرية للقرن العشرين وأكثرها تعقيداً.. صحيح أن أفكار البنيوية ليست كلها جديدة، فمصطلحات: (النموذج، العلاقات، النظام...) كانت مطروقة سلفاً، في الدراسات الأدبية وفي غيرها.. لكنها في القرن العشرين، ونتيجة لعدد من العوامل والظروف، اتخذت شكل حركة فكرية شاملة، أصبحت من أهم الحركات الفكرية في العالم، وأكثرها جدلاً، ظلماً في رأيي.

وأقول -وأنا المتخصص في النقد الحديث- إن البنيوية مظلومة، لأن الهالة الجدلية التي دارت حولها (خصوصاً في عالمنا العربي) جعلها تصبح تحت الضوء، وتتحول إلى (نجمة شبّاك)، وهو ما أدخل العنصر الجماهيري في المعادلة (متابعةً لها، واهتماماًـ بها، وجرأة على تقييمها).. هذا أدى إلى سوء فهم كبير للبنيوية- في رأيي- وكان عائقاً أمام الاستفادة الحقيقية منها، باعتبارها علماً أو منهجية علمية محكمة ودقيقة إلى حد بعيد، وغير مسبوق.

هذا الجدل للأسف أدى إلى انحراف واضح في الدراسات الأدبية لدينا.. مرده فهم مغلوط أن البنيوية «انتهت و’فشلت‘، وأنها غير صالحة، ولذلك جاء زمن ما بعد البنيوية سريعًاً».. هذا الفهم غير دقيق بالطبع.. البنيوية لم تنته، فهي حركة فكرية ونقدية مهمة جداً، تشرب الوعي (الغربي تحديداً) أصولها، وأدواتها، وانطلق منها ليتجاوز الملاحظات التي لوحظت عليها (باعتبارها منجزاً إنسانياً لا يخلو من الخطأ).. من هنا كان النقد ما بعد البنيوي «غربياً» يعني الاستفادة من المنجز البنيوي في قراءة ظواهر لا تهتم بها البنيوية، أو في احتلال مساحات لم تشتغل عليها البنيوية في أوج عصرها.. (الإشارة هنا إلى النقد ما بعد الاستعماري، والنسوي، وكل الفروع الماركسية الأخرى في النقد ما بعد البنيوي).. التفكيك.. -وهو التفكيك- عملية بنيوية إجرائياً، متجاوزة فلسفياً.. أي أن التفكيك (أو التقويض) يمارس التحليل البنيوي لتقويض بعض المسلمات في الفكر البنيوي، من هنا جاء دريدا بالقراءة المزدوجة، ليثبت استمرار فعالية المدلول وسيطرته على الفكر الغربي، مهما حاولت البنيوية الادعاء بالتركيز على الدال، واتخاذه منطلقاً.. هذه الفكرة -كما أثبت دريدا- كانت مجرد حلم يوتوبي للبنيوية.

لكن هذا لا يعني سقوط الفكر البنيوي.. بطبيعة الحال.. بل إن البنيوية -في رأيي- تمكنّت، وأصبحت الأساس في الذهنية العلمية الغربية، ومن هنا انطلق الفكر الغربي في القرن العشرين نحو آفاق رحبة وملهمة: (جاك دريدا، ميشيل فوكو، ليوتار، تشومسكي، بودريار، هابرماس...) هؤلاء كلهم ينطلقون من منطلقات بنيوية، وإن لم يقتصروا على التحليل البنيوي ويلزموا أنفسهم بصرامته المنهجية.

بقي القول إن البنيوية كانت -وتظل- حركة مهمة، ومرحلة تاريخية في الفكر النقدي، لأنها ببساطة تتسق مع طبيعة البشر الفكرية.. البشر لا يفكرون إلا ضمن سياق، وضمن نطاق معقد جداً من العلاقات، يعتمد على اللغة -طبعاً- في بنائه.. هكذا خلق الذهن، وهذه هي طبيعة الوعي البشري.. (إدراك الإنسان مرتبط بالبنية، فالإنسان لا يفهم إلا من خلالها).. وأساس البنيوية، باعتبارها حركة فكرية، هو أن الحياة بنية، وأن كل ظاهرة (اجتماعية، أدبية، فكرية، ثقافية، وسياسية.. الخ) هي بنية مكونةٌ من تفاعل العلاقات المعقدة بين عناصرها الداخلية.. وللحديث -كما البنيوية- بقية..!!

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store