Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
طارق علي فدعق

تهمـــــــــــيش

A A
المقصود هو وضع الشيء أو حتى البشر على الهامش لتقليص أهميتهم. ومن القصص العجيبة لهذه الممارسة اخترت لكم التالي: في عام 1660 قام المحامي الفرنسي «بيير دو فرما» Pierre De Fermat

بوضع العديد من التخمينات الرياضية. وكان يعتز بوصفها بالنظريات بالرغم أن بعضها لم ترتقِ إلى ذلك المستوى لأنها لم تثبت علمياً. وأشهرها تم وصفها بنظرية «فرما» وكانت معادلة بسيطة مكونة من ثلاثة متغيرات فقط تربطهم عمليات حسابية بسيطة لا تتطلب أكثر من مستوى الدراسة الابتدائية لفهمها. وأما إثباتها فكان في منتهى الصعوبة...ولكن «فرما» دوَّن مقولة تاريخية شهيرة على صفحات كتاب كان يطالعه. قال فيها إن الإثبات موجود لديه، ولكن هامش الصفحة لا يكفي لكتابته، ولذا فذكر على الهامش أنه سيوفره «لاحقاً». ومرَّت الأيام وتوفي فرمات بدون أن يوفر الإثبات على الهامش. وتربَّع الرجل على عرش الغلاسة، و وأصبح الإثبات الرياضي من أشهر المعضلات. قامت فرق من علماء الرياضيات على مر العصور ومن مختلف البلدان لمحاولة الإثبات «أبو الهامش» ولم يفلحوا. وصبر العالم أكثر من ثلاثمائة سنة إلى أن تم إيجاد الإثبات وأصبحت النظرية نظرية بالفعل. وتحديداً فقد قام عالم الرياضيات الإنجليزي الدكتور أندرو وايلز بإثبات النظرية على مدى ثلاثة أيام في ثلاث محاضرات دسمة في جامعة برنستون الأمريكية المرموقة في يناير 1993. وكانت المخرجات مدونة فيما يعادل حوالي مائة وخمسين صفحة. هل من المعقول أن هذا هو الإثبات الذي لم يسعه هامش صفحة؟.

وقصتنا التالية للتهميش أغرب من الأولى فأبطالها النمل والطليان...الخرفان لا مؤاخذة...ومحور الموضوع هو دودة اسمها «ديكروزيليوم» على وزن «ديك... رز..اليوم» Dicrocoelium

. تبدأ هذه الديدان دورة حياتها في فضلات الطليان أعزكم الله...وهدفها هو الانتقال إلى النمل ثم الانتهاء في أمعاء الطليان. والخطوات الأولى للانتقال من الفضلات إلى النمل ليست صعبة لأن تلك الحشرات تأكلها.. وبداخل تلك الحشرات تتكون عملية عجيبة وهي هجرة الدود إلى دماغ النمل لتهيمن على سلوكياتها هيمنة عجيبة فتهمشها تماماً. وتحديداً تصبح إحدى أغرب الظواهر بعد استحواذ الدودة على دماغ النملة هي استدراج الحشرة إلى حقول الحشائش لكي تعض أطراف النباتات كوسيلة لجذب الخرفان لتأكلها. وتأكل النمل معها، فينتهي بها المطاف في الجهاز الهضمي للطليان استعداداً لخروجها مع الفضلات الأخرى لإعادة الدورة...وللعلم فهناك مجموعات كبيرة من الطفيليات الأخرى التي تمارس تهميش فريستها بأغرب الأساليب وسبحان الخالق الجبار.

هناك ما هو أهم من تهميش إثباتات المعادلات الرياضية الإعجازية...وتهميش النمل وضحايا الطفيليات الأخرى وهو تهميش البشر الذي يتجسد في ترحيل الضعفاء والفقراء إلى «نهاية الطوابير» لمحاولة الحصول على المميزات التي يحصل عليها الأقوياء والأغنياء.

أمنيــــــــــة

تتسابق اليوم مئات المعامل، والشركات، ودور الأبحاث على إيجاد لقاح لمواجهة تحدي التغلب على جائحة الكورونا، ولكن السؤال المهم هو كيف ستوزع منافع هذه الجهود الجبارة؟. أتمنى أن لا تهمش فئات معينة من البشر نظراً لانعدام قدراتهم على الدفع، أو ضعف حيلتهم، وليكن التوزيع بما يرضي الله عز وجل.

وهو من وراء القصد.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store