Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

هوس التوثيق

No Image

A A
قبل الحديث عن عنوان المقال لنتخيل هذا السيناريو البسيط.

على أعتاب أحد محلات بيع الجملة.. ممكن تساعدني بدفع العربية؟ أبشر يا عم.. أخرج جواله، وفتح الكاميرا الأمامية، ورفع يده للأعلى يأخذ -سيلفي- وهو ماسك العربية وبجانبه الرجل الآخر، التقط الصورة وكتب عليها: (الناس للناس والله يقدرنا على فعل الخير).. انتهى. لكن ردة الفعل لهذا الفعل لم تنتهِ، الأمر ليس مجرد صورة بل أكثر من ذلك بكثير.. توثيق مثل هذه اللحظة ليس بالشيء الطبيعي في مجتمع إسلامي كمجتمعنا، وليس بالمقبول فعله، بل هو أمر مستنكر ودخيل علينا لا يشبه مبادئنا ولا قيمنا ولا إحساننا في تقديم يد العون للآخرين.. بل ما تربينا عليه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى» (أخرجة مسلم).

هذا مثال بسيط جدًا لما يحدث في واقعنا الحالي، أصبحت لدينا ظاهرة التوثيق على مدى أوسع انتشارًا، والخوف أن تكون عادة مستساغة ومقبولة في مجتمعنا..بدأت هذه الظاهرة السلبية قبل انتشار مشاهير السناب شات؛ لهذا لن نحملهم الذنب الأكبر في هذه المشكلة، بل هم امتداد لأسلافهم من بعض منظمي الفعاليات والمبادرات التي تقدم للمحتاج واليتيم وذوي الاحتياجات الخاصة من باب المسؤولية الاجتماعية، وأيضًا من بعض الجمعيات والمؤسسات غير الربحية، كتوثيق الطفل وهو يتسلم شنطتة المدرسية البسيطة، واليتيم وهو يأكل ويبتسم ويلعب، وكذلك ذوي الاحتياجات الخاصة.. والآن بعض مشاهير السناب شات من باب التأثير أصبح يقوم بمبادرات أو تغطيات اجتماعية وخيرية وبنفس المنهج الذي ذكرته سابقًا، بلا احترام لخصوصية المحتاج وحفظ لماء وجهه، البعض قد يقول: (هم راضين)، نعم أتفق هم راضين لأن الطريقة السريعة لإخراجهم مما هم فيه مقرونة بموافقتهم، لو هذب الإعلام من قبل لما وصلنا لثقافة اقبل التنازل عن ماء وجهك حتى نحقق لك هدفك سريعاً. ليس مُهمًّا أن أرى ردة فعلهم أو تصوير ابتسامتهم حتى تثبت للمجتمع قوة الحدث.. كما نُحمل هؤلاء المشاهير كل الذنب في استخدام قوة تأثيرهم على متابعيهم في انتشار هذه الظاهرة السيئة، والتي دفعت البعض منهم لممارستها من باب توثيق لحظاتهم.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store