Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. عادل خميس الزهراني

السينما وحروب ما - فوق الإنسانوية: تغيير الماضي في فيلم Source Code

A A
على مستوى السينما، صاحبة التأثير الأكبر ربما في هذا المجال من بين الفنون الأخرى، تظهر معالجة أفلام الحرب للأفكار ما بعد الإنسانوية بصورة تكاد تكون الأوضح، خصوصاً تلك الأفلام التي تُعنى بتقنيات الحرب عن بعد والدفاع عن الأمن الداخلي، ولعل فيلم (أفاتار) الشهير مثالٌ شهير هنا.

كذلك ظهرت أفلام تعالج المسألة الأخلاقية للحرب البعيدة، حيث تتابع حيوات جنود يديرون من قواعد عسكرية في بلدانهم ضربات معينة لطائرات درونز من دون طيار في دول أخرى، يقتلون فيها أعداداً كبيرة، ثم يعودون لممارسة حياة طبيعية (في أحدها يخرج الجندي المسؤول عن قتل عددٍ من المدنيين في الصومال مباشرةً لشراء الحليب والعودة للمنزل). أذكر على سبيل المثال فيلميْ: (عين في السماء Eye in the Sky)، و(عين على جوليت Eye on Juliet).

الفيلم الذي سأقدم له هنا -على عجل- نظرة تطبيقية لأبرز أفكار ما بعد الإنسانوية تجاه الحرب فلسفةً وواقعاً له أثره الواضح على تكوين صورة العالم الحديث هو فيلم الخيال العلمي (مصدر الشفرة- Source Code) الذي أخرجه في العام 2011 دنكان جونز، وكتب نصه بين ريبلي، وحصل الفيلم على استقبال جيد حول العالم، وحقق أرباحاً لا بأس بها.

تقوم فكرة الفيلم على محاولة الاستفادة من الربط بين التطور التقني والذاكرة البشرية مع الحس الأمني العسكري لكشف لغز قنبلة انفجرت في قطار متجه إلى مدينة شيكاغو، ومعرفة الفاعل.

«تقول حكاية الفيلم إن أحد علماء الجيش الأمريكي ابتدع نظاماً إلكترونياً يُتيح المجال لقراءة المعلومات التي تختزنها عقول الناس لحظة موتهم، وذلك اعتماداً على حقيقة علمية تشير إلى أن ذاكرة الإنسان يمكنها أن تحتفظ بآخر ثماني دقائق من حياتها، والهدف من المشروع، طبعاً، هو التلصص على اللحظات الأخيرة التي عاشها ضحايا العمليات الإرهابية رغبة في معرفة المجرم المتسبب في التفجير والقبض عليه قبل أن ينفذ عمليات أخرى.. لكن عملية التسلل هذه لا يمكن أن تتم إلا عن طريق مُخبر متعاون يتم إرساله إلكترونياً إلى عقل الشخص الميت من أجل التغلغل في لحظاته الأخيرة والتقاط أي إشارة يمكنها أن تشير إلى الإرهابي».

تأتي القصة في سياق الحرب على الإرهاب وتعزيز الأمن القومي اعتماداً على التكنولوجيا؛ تُفجّر طائرة الكابتن طيار كولتر ستيفنز (يقوم بدوره الممثل الشهير جاك قلينهال) في أفغانستان، لكنه رغم موته يصبح جزءاً من عملية عسكرية سرية حين يُستخدم -المتبقي من جسده- ليوضع في برنامج محوسب يستطيع من خلاله احتلال آخر 8 دقائق من حياة شين فنترس (الرجل الذي قضى في انفجار القطار). مهمة كولتر أن يحدد شخصية الإرهابي الذي زرع القنبلة. لكن كولتر (بعيشه آخر لحظات شين فنترس) يصبح متيقناً أنه لا يستطيع تحديد الفاعل وحسب، بل أيضاً منع الانفجار، طالما لا يتجاوز الدقائق الثمان.

يستطيع البرنامج التواصل مع وعي الطيار، ليزوده بالمعلومات، ثم يرسله إلى ما يشبه الواقع الافتراضي في الماضي ليعيش آخر لحظات رجل آخر، وفي كل مرة يذهب البطل للماضي ويمر بكل التفاصيل من جديد (في آخر 8 دقائق من حياته في القطار)، يحاول البحث عن الجاني اعتماداً على حسه الأمني المميز، لكنه يفشل وينفجر القطار، وهكذا تستمر إعادته إلى الماضي حتى ينجح في مهمته في آخر مرة، ويستطيع وعي الطيار من إرسال معلومات صحيحة عن منفذ المهمة، فيُلقى عليه وعلى معاونيه القبض ويُمنع الانفجار الإرهابي المدمّر. خلال كل هذه المحاولات يطوّر وعي الضابط مع البرنامج طريقة للتواصل مع الضابطة المسؤولة عن إدارة العملية كولين قودويل (تؤدي الدور فيرا فارميقا) ليعلم أنه جزء من مشروع يدعى (سورس كود)، يمكنهم من وضع شخص ما في وعي شخص آخر خلال 8 الدقائق الأخيرة من حياتهم.

الأفكار التي يمكن مناقشتها في الفيلم كثيرة، لكن فكرة التغيير في الماضي، باعتبارها خياراً لتحسين المستقبل، تبدو مغرية هنا.. فرغم أن المسؤولين عن البرنامج كانوا يهدفون فقط (عبر احتلال وعي أحد الضحايا في آخر 8 دقائق) إلى معرفة الإرهابي للتمكن من القبض عليه ومنع مخاطر أخرى، إلا أن البطل يصر على إمكانيته منع التفجير الذي حصل بالفعل، وينجح في ذلك.. أي أنه عاد إلى الماضي، واستطاع أن يمنع التفجير، ويحافظ على حياة الضحايا في ذلك الواقع الافتراضي الذي صنعه البرنامج، ولعل المهمة القادمة للبشرية هنا أن تربط بين هذا العالم والعامل الحقيقي.. هذا عالم يستطيع فيه الإنسان أن يمنع الكوارث والإرهاب، ليس فقط بالذهاب للمستقبل، وتصميم حياة على هواه، بل بالعودة أيضاً للماضي وتغييره.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store