Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
عبدالعزيز معتوق حسنين

عديم الوفاء.. عديم الذمة

A A
صفتان ندرت وقلت هما الوفاء والذمة.. إلا أنني على يقين بأن الوفاء خلق نبيل لا يقتصر على زمان دون آخر ولا على مكان دون سواه، على مر الأزمان غاض الوفاء وبان عديم الذمة وانفرجت مسافة الخلف بين القول والعمل.

إن حكمة الله تقضي بأن يبقى الوفاء والمروءة ذمة ليعرف بهما الكريم ويكشف بهما اللئيم.. لهذا أحببت أن أورد قصتي عن المروءة والوفاء والذمة من باب الوفاء والذمة لذلك الوفي.. وقليل منا قد يعرف أن كلمة الوفاء قد وردت في القرآن الكريم 21 مرة.

في عام 1994م واجهتني إعاقة مهمة جدًا لي شخصيًا في إحدى الدوائر العامة وكان حلها صعبا ومعقدا ولكن كان ضروريًا جدًا وفي حينه.. توكلت على الله وحملت معي كامل ملف المعاملة وتوجهت إلى تلك الدائرة.. وجدت عددًا وافرًا من المراجعين يقفون فوق رأس الموظف المسؤول كل يريد إنهاء معاملته النظامية وأنا خلفهم ومعي معاملة صعبة ومعقدة.. وكنت في حيرة شديدة لا أدري ماذا أفعل بين هذه الزحمة من المراجعين، حينئذ شعرت باليأس في إنهاء معاملتي المستحيلة وكنت على وشك أن أستدير وأعود بلا فائدة وإذا بيد توضع على كتفي من الخلف بسؤال: دكتور عبدالعزيز حسنين.. استدرت فرأيت شابًا لا يتعدى 20 سنة من العمر يسألني عن سبب وجودي هناك في دائرته التي يعمل بها وهو موظف صغير مبتدئ.. فسلمته ملف المعاملة وشرحت له موضوعها.. أحضر الشاب لي كرسيا وأجلسني فيه وأخذ ملفي وغاب ساعتين وأنا جالس مرتاح أنتظره ليعود.. وإذا بالشاب يسلمني بيدي المستند الرسمي الموقع والمختوم من مدير عام الإدارة بإتمام طلبي المستحيل بالتمام والكمال.. لم أفاجأ قط في حياتي مثل تلك المفاجأة.. فوجهت شكري وامتناني وتقديري للشاب وسألته: يا بني من أنت وكيف عرفتني ولماذا خدمتني خدمة صعبة وتتطلب وقتا طويلا؟.

أجاب الشاب من حقك يا دكتور أن تنساني ولكن ليس من حقي أن أنساك.. قال الشاب: قبل عشر سنوات وأنت يا دكتور خارج من باب طوارئ مستشفى الملك فهد للقوات المسلحة بجدة والتعب ظاهر على وجهك وقد انتهيت من عملك ودوامك ومسؤولياتك في الساعة الخامسة بعد ظهر ذلك اليوم وإذا بك تراني أقف خارج قسم الطوارئ كان عمري لم يتعد عقدا من الزمن ومعي نقالة مرضى عليها امرأة بعباءتها كانت في غيبوبة.. سألتني عن العجوز ولم أجبك فأخذت النقالة بيدك وأدخلتها إلى غرفة الإنعاش وبدأت في إنقاذ العجوز حتى فاقت من غيبوبتها ثم أدخلتها المستشفى ولم تغادرها حتى استقرت حالتها الصحية في الساعة السابعة مساءً وظلت تحت إشرافك حتى تركت المستشفى بعد عشرة أيام وهي تمشي على قدميها.. تلك كانت أمي يا دكتور فهل أستطيع أن أنساك يا دكتور عبدالعزيز.. علمني ذلك الشاب معنى الوفاء والمروءة والذمة.

بكل أسف هناك أمم رجالها للمصلحة الشخصية فقط لا يتأكد الإنسان من معرفة أصلهم ووفائهم ومروءتهم وذمتهم إلا حسب المثل: عند الامتحان يكرم المرء أو يهان، أو تعرف الصديق عند الضيق، فقد قال فيهم الإمام الشافعي رضي الله عنه: «قد عاش قوم وهم في الناس أموات».

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store