Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. سهيل بن حسن قاضي

من دبلوماسية الفيصل

شذرات

A A
الدكتور معروف الدواليبي السياسي السوري الذي عُيِّن مستشاراً في الديوان الملكي عام 1965م، يحكي في مذكراته التي صدرتْ عن مكتبة العبيكان عام 1426 قصتَه بعد خروجِه من بلده، حيث بعث الملكُ فيصل بالسفير سعود الدغيثر للقاء به، وقد أفصح الدواليبي عن تفاهم سابق مع كنيدي ثم الرئيس جونسون لضمان جانب أمريكا للتحرك الإسلامي بعد أن علم السياسيون أن لا أحدَ يستطيعُ أن يقفَ أمام المدِّ الشيوعي إلا الإسلام، وذكرَ أن كلَّ حاكمٍ في العالم الإسلامي كان يقتصرُ نشاطُه على إقليمه إلا المملكة العربية السعودية، فهي الأجدرُ والأصلحُ، لموقعها الجغرافي ومكانتها المميزة في العالم الإسلامي، حيث جاءت زيارات فيصل لعدد من البلدان ودخل الى أفريقيا بعد أن أدركتْ أمريكا أن الإسلام هو الذي يقف في وجه الشيوعية، وبالتالي أزالتْ العقبات للتحرك داخل أفريقيا. زار الملكُ فيصل بعدها الرئيس جونسون، وتكريماً لفيصل ونشاطه عزل جونسون كل العناصر اليهودية من CIA، وما كاد ينتهي فيصل من جولته التي استمرتْ شهراً حتى سحبت خمس وأربعون دولة أفريقية اعترافها بإسرائيل، في الوقت الذي لم يتمكن عبد الناصر من إدراج قضية فلسطين في جدول أعمال الوحدة الأفريقية.

محطةٌ أخرى في مذكرات د.الدواليبي يتحدث عن الملك فيصل وحرصه على أن لا يكونَ أحدُ أبنائه يعملُ في الديوان الملكي، ويذكر أن سمو الأمير سعود كان يعملُ في وزارة البترول وجاء لوالده في إحدى الفرص يستأذنُه بالسفر، فانتهرَه فيصل وقال له: أنت لستَ مرتبطاً بي، أنت مرتبطٌ بوزيرك، اذهبْ فاستأذِنه، فقال: يا سيدي الوالد أنا استأذنت وزيري، ولكن ألا يتوجبُ عليَّ أن أستأذنَ والدي أيضاً؟.

يتحدث الدكتور الدواليبي عن ندرة فيصل في ذلك الزمن، وعلى سبيل المثال كان يقابل السيئة التي تُوجَّه إليه من عبد الناصر بالحسنة، وكانت المملكة على رأس الداعمين لمصر عام 1967 بعد الضربة التي وُجِّهتْ لها، فكان الفيصل يرحمه الله يتغلبُ على نفسه ويرجح المصلحة العامة.

ومن المواقف التي تُسجل للفيصل يرحمه الله، ما دار في ذلك اللقاءِ التاريخي الذي جمع بينه وبين الرئيس الفرنسي ديجول الذي عُرف بمواقفه الداعمة لليهود آنذاك، وكان اللقاء مع فيصل في الإليزيه، حاول فيه ديجول ان يدافع عن إسرائيل واصفاً إياها بالأمر الواقع.. ليرد عليه الملك فيصل بحصافته المعهودة التي دحض من خلالها تلك المقولة مستشهداً باحتلال هتلر لباريس ورفض ديجول لذلك الاحتلال ومقاومته له رغم أنه كان أمراً واقعاً.

فدُهش ديغول من سرعة البديهة والخلاصة المركَّزة بهذا الشكل، ليستمرَ النقاش بعدها بينه وبين الفيصل يرحمه الله الذي كان يحاججه عن اليهود وعلاقتهم بأرض فلسطين مقدماً الأدلةَ الدامغة التي تدحضُ كل مزاعمِهم، لينتهيَ ذلك اللقاءُ باستدعاء الرئيس ديغول رئيسَ وزرائِه آنذاك جورج بومبيدو قائلاً له: «الآن فهمتُ القضية الفلسطينية، أوقِفوا السلاحَ المُصدَّر لإسرائيل».

كثيرة هي المواقفُ والأحداثُ التي حوتْها مذكراتُ الدكتور الدواليبي رحمه الله والتي تستحقُّ التوقفَ عندها طويلاً واستنباطَ الدروسِ منها.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store
كاميرا المدينة