Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
منى يوسف حمدان

معلمي.. كم أنا فخورة بك

A A
في الخامس من أكتوبر يحتفي العالم كله بالمعلم ويقدرون دوره التاريخي في صناعة الأجيال وتربية النشء، نحن المعلمون لا يقتصر دورنا على تقديم معلومات مجردة ولا مهارات فقط، نحن نربي ونعدل سلوكًا ونقوم معوجًا ونحتوي طالبًا قد يعاني من مشاكل أسرية واجتماعية واقتصادية ونفسية متعددة.

الدور الذي يقوم به المعلم اليوم مختلف تمامًا عن الماضي، في زمن التحديات والأزمات الجهود مضاعفة والتركيز على الإبداع أكبر ليصل المعلم لطلابه في بيوتهم عبر مواقع التواصل والمنصات التعليمية والتقنية المتطورة، يبادر المعلمون كل يوم بفكرة جديدة وتطوير لعملهم استشعارًا منهم لعظم المسؤولية والأمانة الملقاة على عاتقهم.. ولكني هنا اليوم وفي كل عام أخص بتهنئتي للمعلم القدوة مربي الأجيال من علمني كيف يكون العلم والتعليم عشق يسري في دمي، من اقترن اسمي باسمه، وكلي فخر بالقائد التربوي ومعلم الأجيال في المدينة النبوية الأستاذ يوسف عبدالله حمدان نعم هو أبي ولكن يحق لي أن أكتب في يوم المعلم شيئًا من سيرته العطرة لتكون نبراسًا لكل معلم ومعلمة، منذ طفولتي المبكرة وهو في مقتبل عمره شاهدت الكتب بين يدي والدي -حفظه الله- وهو يكمل دراسته الثانوية ليلا وفي الصباح يمارس دوره معلمًا وقائدًا تربويًا يشهد له مدراء التعليم وزملاؤه في العمل من إداريين ومشرفين ومعلمين وطلاب عن مدى إخلاصه وحبه لعمله الذي غرسه في نفوسنا نحن أبناؤه وبناته.

ومازلت أتذكر يا أبي وأنت تخرج من صلاة الفجر من المسجد أمام بيتنا في الحرة الشرقية ونحن في المرحلة الابتدائية والمتوسطة والثانوية وتأتي لنا بوجبة الإفطار ثم نغادر مبكرًا لتذهب بنا الى مدارسنا فنكون أول الحاضرين حتى تلحق أنت بمدرستك في آبار علي وتكون القائد الذي يحضر قبل الجميع.

مازلت أتذكر حرصك على إتمام دراستك الجامعية واستمرار عطائك اللامحدود في العمل صباحًا ومساءً وبينهما تتلقى العلم، لك بصمة لا تنسى في تعليم المدينة حتى في مدارس محو الأمية كان لك فيها حضور بارز.

لن أنسى يا من قضيت جل عمرك في أروقة المدارس وبين طلابها ومعلميها حتى بلغت سنوات عطائك الأربعين عامًا وطلب مني قيادات التعليم في إدارة تعليم المدينة أن أجمع صورًا لك لتكريمك في حفل من دون علمك لكني لم أستطع إلا أن أخبرك فكان ردك لي درسًا عظيمًا لن أنساه ما حييت، قلت لي: لا أريد يا ابنتي تكريمًا من أحد فالله كرمني وأعطاني بركة في مالي وأولادي وعافيتي وطلابي الذين أراهم يتقلدون أعلى المناصب ويكرمونني في كل مكان، التكريم الذي انتظره قبول عملي في السماء، ورفض والدي ومعلمي حفل التكريم البشري لينال برحمة الله وكرمه تكريمه الذي يستحقه من رب كريم عظيم لا تضيع عنده الأعمال ولا يخيب ظن من توكل عليه.

لازالت ذاكرتي تحتفظ يا أبي بأروقة مدرسة ذي الحليفة الابتدائية في آبار علي عندما كنت أزورها بصحبتكم ليلا لتتفقد فيها أحوال المبنى واحتياجاته وكنت أبحث عن دفاترك وأوراقك ويأسرني جمال خطك فأقلده لعلي أنال شيئًا من جماله يا معلمي.. ولازال سمعي يردد بعض أقوال أصدقائك ومدراء التعليم الذين رافقتهم وبعض الصفوة منهم تربيت على يديهم وأنا طفلة وكنت لهم بمثابة الابنة المقربة ومازال الطيبون على عهودهم يسألون عنك ويدعون لك بالعمر المديد في طاعة الرحمن ويسألون الله لك الصحة والعافية.. رأيت بأم عيني كيف أن الله معك في كل المواقف الصعبة التي مررت بها حتى في لحظات المرض والفقد والضعف مازلت والدي قويًا بالله شامخًا تحمل بين جنبات صدرك أطيب قلب وأنقى سريرة وأجمل ابتسامة على محياك ولا ينطق لسانك إلا بأطيب الكلمات يا معلم القرآن والتربية الإسلامية والقائد المحنك والذي ترك له ميراثًا مشرفًا من العمل التربوي في رحاب طيبة الطيبة.

طابت سيرتك وطاب عملك يا معلم الأجيال وسيظل قلمي يسطر بمداد الفخر تاريخ عطائك ولن أنسى ما حييت تلك الكلمات التي كنت تسرها لي عن أهمية الإخلاص في القول والعمل وأن ابتعد عن شخصنة الأمور وإعطاء كل ذي حق حقه مهما كان هذا الإنسان مخالفًا لي، فالعدالة مطلب والأمانة عظيمة وعند الله تلتقي الخصوم وسينال كل منا حقه ومستحقه فالدنيا اليوم محطة وسنغادر يومًا ما فلا نظلم ولا نقهر ولا نعتدي ولا نعادي أحدا ولا يبقى في ذمتنا لأحد شيء في أعناقنا، اليوم عمل ولا حساب وغدًا يوم العرض والحساب على ما قدمنا .. حفظك الله والدي ودامت لي ذكرياتي معك لتكون نبراسًا استضيء به في حياتي وأعلمه أولادي وأحفادي كيف يكون العطاء من أجل الغاية الأسمى والهدف هو رضا الله أولا ثم تأدية واجب وطني لا يليق إلا بالعظماء من البشر تحمله.

التعليم أمانة والقيادة أمانة، نسأل الله العون والتوفيق وكل عام والمعلمون على قدر كل التحديات يقودون عجلة التنمية ويسهمون في صناعة الحضارة الإنسانية.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store