Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محمد بشير كردي

سلوك الإنسان بعناية الرحمن

A A
تطابق رقمي عدد سنوات العمر عند نفرٍ، قد يكون مدعاة للتفاؤل بتوقُّع الأفضل.. وهذا تفاؤل شائع في اليابان؛ البلد المحافظ على تقاليده وعاداته.. ويُعرف عن اليابانيِّين اختيارهم النأي بالنفس عن عادات الآخرين وتقاليدهم.. عند بلوغ أحدهم الحادية عشر من العمر، والثانية والعشرين وما فوق، يقام لمن بلغها حفل عيد ميلاد ممَّيز، ويُحظى مَن بلغوا من العمر الثامنة والثمانبن باحتفال كبير، يشارك في ترتيبه وتغطية نفقاته كلُّ من أفراد أسرته وأقاربه وزملائه في الدراسة ومدرِّسيه، وزملائه في العمل، ورؤسائه ومرؤوسيه.

يلقي نخبة من المشاركين في الحفل كلمات التهنئة والثناء والإشادة بالمُحتفى به، وبما يتحلَّى من خلق وعلم وثقافةً مستشهدين بما رأوه وعايشوه فيه من خصال حميدة أو ما سمعوه عنه.

في نهاية الحفل يلقي المُحتفى به كلمة شكر وامتنان، يُتْبِعُها بنصائحه للشباب، ويعني من هم دون الثامنة والثمانين، ليواصلوا بجدّ وعزيمة العناية بأجسامهم وعقولهم، وليبقى الياباني قدوة للآخرين في تحدّي الصعاب وإثبات الوجود، وجودة العطاء مع قلَّة موارد أرض بلده الطبيعيَّة التي عُوِّض عنها بالاستثمار بالعقول البشريَّة.

ما أزال أذكر حفلًا دعيت له للمشاركةً في عيد ميلاد أستاذ جامعي بلغ الثمانية والثمانين من العمر.. رجاني عريف الحفل أن ألقي كلمة.. قمت إلى المنصَّة، وبجانبي مترجم من العربيَّة إلى اليابانيَّة، بدأت بشكرهم على دعوتي، ثمَّ مثنيًا على جهود المربِّي الكبير في تربية جيل وتثقيف طلابه الذين أرى فيهم اليوم، وسواهم في الحفل العديد من رجالات التربية والتعليم والسياسة والاقتصاد والإعلام، وآخرين الذين حضروا مقدِّمين احترامهم وتقديرهم وتمنياتهم له بطول العمر.. وختمت مستشهدًا بقول أمير شعرائنا أحمد شوقي:

قُم لِلمُعَلِّمِ وَفِّهِ التَبجيلا

كادَ المُعَلِّمُ أَن يَكونَ رَسولا

أَعَلِمتَ أَشرَفَ أَو أَجَلَّ مِنَ الَّذي

يَبني وَيُنشِئُ أَنفُساً وَعُقولا

عندها وقف جميع الحضور مؤَدِّين للمُحتَفى به التحيَّة بالانحناء، إحدى أشهر سمات آداب السلوك اليابانيَّة.

نحن في مجتمعاتنا العربيَّة والإسلاميَّة نولي اليوم الأوَّل من الشهر الأوَّل لكلا السنتين الهجريَّة والميلاديَّة قيمة استثنائيَّة نغتنمها لتوثيق علاقاتنا الأسريَّة والاجتماعيَّة.. يتحلَّق المحتفلون بهذه المناسبة حول موائد الطعام وعليها ما لذَّ وطاب.. ومنهم من يمضيها بلهوٍ واستمتاع حتَّى الفجر.. أمَّا الأصوليُّون؛ أتباع الفرق والمذاهب فتحيا الليلة عبادةً وذكرًا.

اليوم، والعالم في عام ٢٠٢٠، قد نتردَّد قبل الاحتفال به.. وأتساءل كالغالبيَّة منَّا عن حال سكَّان كوكبنا الأرضي من اليوم فصاعدًا، وقد داهمهم فيروس الكورونا دون تمييز بين عرق وجنس.. أمرض الملايين من البشر، وقضى على حياة مئات الألوف منهم.. أصاب الاقتصاد بمقتلٍ، وزاد من نسب البطالة ممَّا ضاعف عدد الفقراء والمعوزين .. ألزم الجميع بالتباعد، والبقاء في البيوت، فأضعف الروابط الإنسانيَّة، وألغى الزيارات والتنقُّل والأسفار.. فرض العزلة والانزواء.. فتح الأبواب على مصاريعها لأفراد اتَّخذوا لأنفسهم صفة المحلَّل الصحي والبيئي والاقتصادي والنفسي وما إلى ذلك... فراحوا يدلون بدلائهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي وشاشات الفضائيَّات.. يشيعون بتحليلاتهم الخوف والهلع من مستقبل مظلم!

هنا تبرز قيمة الإيمان بالله ليعمَّ المجتمع الأمن والاطمئنان.. فالله جلَّت قدرته؛ هو المالك والمدبَّر، وبيده الخير.. وما علينا إلّا الإلتزام بأوامره ونواهيه.

في الأثر عن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَوله: كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَقَالَ: يَا غُلَامُ، إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ: احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ.. احْفَظْ اللَّهَ، تَجِدْهُ تُجَاهَكَ.. إِذَا سَأَلْتَ، فَاسْأَلْ اللَّهَ.. وَإِذَا اسْتَعَنْتَ، فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ.. وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ، لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ.. وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ، لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ.. رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ.. وصدق رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store