عن طريق الصدفة وقبل حوالي أربعين عاماً، التقيت في الحرم المكي الشريف بعد صلاة العشاء بالعالِم الجليل السيد محمد أمين كتبي، وكان يبحثُ عن سيارة أجرة للذهاب الى داره في حي أجياد، فعرضتُ عليه الذهابَ معي بالسيارة، وفي الطريق ذكَّرني بدعاء الخروج من المنزل، وأهمية ذلك الدعاء، وهو: (بسم الله، توكلتُ على الله، ولا حول ولا قوة إلَّا بالله)، وأوصى بضرورة إضافة ما يلي: (اللهم إنِّي نويتُ نفعَ عبادِك)، واستدرك قائلاً: كن مبتسماً دائماً كوالدِك، ولا خيرَ في الإنسان إن لم ينفعْ الآخرين، والنفعُ وجه من وجوه الخير، ولو كل واحد منا مهما كانت مهنته: معلماً، جندياً، بائعاً، خادماً في أي مرفق من المرافق، خرج من داره بالنية الصادقة لنفعِ الآخرين فسوف يثيبُه الله ويرزقه من حيث لا يحتسب.
والإنسان السوي الملتزم بأمانة الرسالة التي يحملها لا بدَّ وأنَّ وازعه لا يسمح له إلا أن يعين الآخرين، ويحرص على تخفيف معاناتهم، ويشفق على صغيرهم وكبيرهم، ويقضي حوائجَ المواطنين. وكل جهة يلزمها استشعار المسؤولية بقوة لتخفيف معاناة المواطنين وحماية مصالحهم ورفع أي أذىً أو ضررٍ ماليٍّ أو معنوي يقعُ عليهم.
وزارة الإعلام على سبيل المثال سعت إلى وضع بعض الحلول لدعم الصحف الورقية المحلية من خلال العمل المشترك في ما بينها والذي يخفض التكاليف بما فيها ما يتعلق بالطباعة أو بوكالات الإعلان التي يحتكرها البعضُ ويهيمن على مسيرتها.
ووزارة التجارة تعمل بقوة لتطبيق نظام مكافحة التستر التجاري الذي كان ولا يزال ينخرُ في اقتصاد البلاد، وقبل ذلك حاولتْ إيقافَ العبث والتدليس الذي يحدث في أسعار التخفيضات، كانت عبارة (السلعة التي تباع لا ترد ولا تستبدل) هي السائدة، فسعتْ وزارةُ التجارة إلى إلغاء هذا التسلُّط، ووضعتْ القواعدَ المنظمة لذلك، كما أوقفت عبث بعض مطوري العقار وما يُسمى (البيع على الخريطة).
كثيرةٌ هي الصورُ المشرقةُ التي استنهضَ الوازعُ الوطني فيها هممَ القائمين عليها أفراداً ومؤسساتٍ وإداراتٍ في مختلف قطاعاتِ الدولة، فاضطلعوا بمسؤولياتهم وقدَّموها في أجمل صورةٍ، استشعاراً منهم بواجبهم الوطني.
وما أحرانا أن نستحضرَ تلك النماذج المضيئة ونحرصَ على غرس منجزاتها في الوعي المجتمعي، معلنين دائماً أن مسؤولياتنا إنما هي واجبات مشتركة يحفزها الدافعُ الفطري والغيرةُ الوطنية التي تحمل معاني الانتماء والولاء.
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
