Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
طارق علي فدعق

جـــــــرجرة

A A
معنى عنوان المقال هو الانجراف نحو الوضع الأسوأ.. وسأعود إلى هذا المفهوم بعد 255 كلمة من هذه النقطة. ومن الحقائق التي لا جدال فيها أن الموانئ تمثل إحدى أسرار نجاح الحضارات. لو تأملت في وضع المدن التاريخية الكبرى، ستجد أن الغالبية العظمى هي الموانئ البحرية.. من لندن، وهونج كونج، ونيويورك، وأمستردام. ومن النادر أن تجد المدن التاريخية الناجحة التي لا تقع على شواطئ بحار وأنهار باستثناء مكة المكرمة، والمدينة المنورة، والقدس الشريف لأن ما أكرمها الله به هو أهم بكثير من التجارة والصناعة. وبالنسبة للموانئ فلا توجد أسرار في تطورها، فالمزايا النسبية التي تكونها أو تساهم فيها كثيرة ومؤثرة من خلال أنشطة التصنيع، والتغليف، والتعبئة، وإعادة التصدير. وفي القرن العشرين ظهرت الموانئ الجوية لتعزز دور الموانئ بشكل عام، فارتقت بالمفهوم الحضاري والاقتصادي ونشرته بسرعة وفعالية. أصبحت المطارات من أهم الأقطاب الاقتصادية للعديد من الأسباب، فبالإضافة إلى ضخ الأموال والوظائف المباشرة بسبب التوظيف، والمشتريات المباشرة، نجد آثار الدخل والتوظيف غير المباشر للأنشطة المساندة للمطارات، ونجد أيضاً الأنشطة «المولدة» خارج قطاع النقل الجوي بسبب المضاعفات الاقتصادية. وقد ولدت دورة التوظيف والدخل الثراء الكثير للمطارات وأقاليمها في الشرق والغرب لدرجة أن هناك مدناً بأكملها تكونت حول العديد من الموانئ الجوية. وقبل حوالي أربعين سنة أدركت بعض الحكومات أهمية هذه التأثيرات الاقتصادية المهمة للمطارات، فقامت بتخصيصها وتحويلها إلى كيانات تجارية أو شبه تجارية من خلال إدارات رشيقة «منزوعة الدسم» نسبة إلى ما كانت عليه مسبقاً. ورأينا حركة نهوض هيئات المطارات، ثم شركات المطارات حول العالم.. ثم خلال هذا العام، دخل علينا فيروس الكورونا وترعرع، ففوجئنا جميعاً بالجائحة، وكان أكبر ضحاياها هو قطاع النقل الجوي. وتأثرت «سلاسل الإمدادات» للقطاع الجوي المدني، والأقرب إلى الصحة هو «شبكات الإمدادات» لأنها غنية وأبعادها مترابطة.

وخلال هذه الأيام نشهد بعض التطورات الخطيرة في قطاع الطيران المدني، فهناك أكثر من مائة وتسعين من مطارات أوروبا، وعشرات شركات الطيران الكبرى مهددة بالإفلاس خلال الشهور القليلة القادمة. ولكن الموضوع لا يقتصر على إفلاس مطارات وشركات فحسب، فالمخاطر الأكبر هي «جرجرة» العديد من الأنشطة الاقتصادية إلى الانهيار، وخصوصاً أن العديد من الكيانات الاقتصادية لا تتحمل الصدمات مثل الشركات العملاقة. والمقصود هنا هو الأنشطة الصغيرة والمتوسطة التي تدعم الاقتصاد الكلي حول العالم بطرق إجمالية.. والمحزن أن الآلاف منها قد اندثرت أو أصبحت مهددة بالاندثار.

أمنيــــــــة

لم يدرك العالم الفوائد الحقيقية لأنشطة الطيران المدني في السابق لأنه كان يُعامل وكأنه مجرد قطاع نقل. وبحلول الجائحة، ظهرت أهمية الروابط والإمدادات المختلفة بداخل وخارج القطاع. أتمنى أن ندرك أن قطاع الطيران المدني لا يقتصر على المطارات والسفر جواً فحسب، فهناك مئات الآلاف من الأنشطة المرتبطة به، والتي لم ندرك أهميتها وقد ظهرت الآن بعدما تعرضت للجرجرة.. والأهم من كل هذا أن هذه أرزاق البشر حول العالم، فأدعو الله أن ينجي البشرية من أضرارها في أقرب وقت. وهو من وراء القصد.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store