Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محسن علي السهيمي

عن أي تسامح نتحاور؟!

A A
نظم مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني -الأسبوع الماضي- عدة جلسات ضمن ملتقى حوارات المملكة الثالث تحت عنوان (نتحاور لنتسامح)؛ تساوقًا مع اليوم الدولي للتسامح، وسعيًا منه لتعزيز روح التسامح بين أفراد المجتمع، وحرصًا منه على تمتين روابط الوحدة الوطنية.

اللافت للانتباه في الملتقى هو العنوان الذي اختاره المركز ليكون محورًا لجلساته؛ فهو يمثل معادلة لها حدان، الأول (نتحاور)، وهو بمثابة السبب أو المُدخَل، والثاني (لنتسامح)، وهو بمثابة النتيجة أو المُخرَج.. يأتي هذا كون الحوار أضحى ضرورة قصوى، في ظل انفتاح المجتمع عبر الوسائط المتعدده، وفي ظل صراع الأفكار والمفاهيم، وفي ظل الإذكاء المتواصل -عبر الأوعية الخارجية- للخلافات، ونشر الفرقة من قِبل المتربصين بمجتمعاتنا.

وللحوار صور متعددة؛ منها الحوار بين الأديان، والحوار بين المذاهب، والحوار بين الثقافات..، وكلها تهدف للوصول لنقطة تتقاطع فيها الآراء، لتنطلق منها متضافرة إلى غايات ينشدها الجميع، وتنعكس آثارها إيجابًا عليهم.

لعل المركز -خلال مسيرته التي قاربت العَقدَين- ركز على الحوار بين أطياف المجتمع مذهبيًّا ومناطقيًّا؛ من أجل إزالة الحواجز بين بعض أفراده، وتصحيح المفاهيم المغلوطة لدى كل فئة تجاه الأخرى، ولا أعلم ما تمخضت عنه تلك الحوارات والجلسات التي تنقلت في أكثر من منطقة.. عطفًا على عنوان الملتقى فقد كانت معظم الأوراق المقدمة -من خلال اطِّلاعي على نُتَف منها- موجهة لأفراد المجتمع في المقام الأول، وقد كانت هناك استدلالات بجهود المملكة خارجيًّا في سبيل تعزيز التسامح مع الخارج، وهي الاستدلالات التي بيَّنتْ أهمية (التطبيق العملي) للتسامح، وهو ما تقوم به المملكة خارجيًّا بعيدًا عن التنظير.. وعليه، فأرى أنه قد آن الأوان ليوجه المركز بوصلته إلى (المؤسسات والإدارات) بكافة أشكالها ومسؤولياتها واختصاصاتها؛ إذ إن المؤسسات والإدارات هي المظلة للغالبية العظمى للأفراد الذين يكوِّنون بدورهم المجتمع الكبير، ومتى توجهت جهود المركز لتلك الجهات فهو بذلك يوفر الكثير من الوقت والجهد، ويضمن وصول رسالته بشكل أكثر تركيزًا وجديةً عبر تلك الجهات.. وهنا ينبغي ألا نغمض أعيننا عما يدور في تلك الجهات؛ ففي بعضها مَن لا يعرف من الحوار والتسامح إلا مسمياتها، بل ربما تجد في بعض تلك الجهات قيادات وأقطابًا لا تمارس الحوار والتسامح مع المختلف معها -من داخل منظومتها أو خارجها- إلا تنظيرًا، أمام كاميرات التصوير، وعبر وسائط الإعلام.. لعل المركز يَنفُذ إلى تلك الجهات جميعها؛ ليقف بنفسه على مدى تمثُّلها -قياداتٍ وأقطابًا- لقيم الحوار والتسامح تجاه مَن هم ضمن منظومتها أو خارجها، ولعله يقوم بعملية تتبع لما كُتِب من نقد هادف عن بعض تلك الجهات من خلال (الصحف الرسمية)، ويطَّلع على تجاوب تلك الجهات مع ما كُتب عنها، ومدى تمثُّلها لقِيَم الحوار والتسامح في تعاملها مع الناقد، ولعله يخرج لنا بمحصلة تبين مدى حاجة تلك الجهات لتركيز الجهد عليها مستقبلاً من عدمه، ولذا جاء عنوان المقال متسائلاً عن التسامح المنشود الذي نتحاور من أجله؛ أهو التسامح بين أفراد المجتمع وحدهم؟ وهذا تم الاشتغال عليه كثيرًا، أم هو التسامح داخل (المؤسسات والإدارات)؛ لتغدو قياداتها وأقطابها -بعد التحاور- متسامحة مع مَن هم ضمن منظومتها، ومع من يتعرض لها بالنقد؟ إذ ربما يكون معدل الحوار والتسامح في بعض تلك الجهات (أدنى بكثير) منه بين أفراد المجتمع، ولذا تغدو أحق من غيرها بمثل هذه الملتقيات الحوارية.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store