Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

د. العقيل: خوف الضحية وخلل تنشئة المتحرّش أهم الأسباب وراء ظاهرة التحرُّش

د. العقيل: خوف الضحية وخلل تنشئة المتحرّش أهم الأسباب وراء ظاهرة التحرُّش

.. "جريمة عالمية" تتطلب المواجهة

A A
التحرش الجنسي قضية عالمية شهدت زخمًا كبيرًا خلال الأعوام القليلة الأخيرة مع كشف أعداد كبيرة من النساء والفتيات في دول مختلفة عن فضائح تعرضن لها في أماكن مختلفة، بعضها لم يكن مُتوقعًا أن يكون مسرحًا للتحرش، كما فُضح أمر كثير من المشاهير مارسوا هذه الجريمة متخفين وراء ستار سكوت الضحايا.

وأماطت شهادات الضحايا اللثام عن معلومات خطيرة، حيث كانت هذه الجريمة تتم في كبريات الجامعات العالمية ووصل الأمر إلى التحرش في مقرات الأمم المتحدة نفسها، إذ كشفت دراسة أن ثلث موظفي المنظمة الدولية أبلغوا عن تعرضهم لتحرش جنسي خلال عامين فقط من عملهم.

وشكا واحد من كل ثلاثة مشاركين في الدراسة، أو 33 %، التعرض لحادثة واحدة على الأقل من المضايقات والتحرشات الجنسية في آخر عامين، ما دفع بالأمين العام للمنظمة، أنطونيو غوتيريس، أن يبعث رسالة لموظفيه، اعتبر فيها أن الدراسة تضمنت أرقامًا مفاجئة وأدلة حول ما يجب تغييره لتحسين ظروف العمل في الأمم المتحدة.

وحتى إن كانت نسب التحرش بالمملكة العربية السعودية أقل من غيرها من الدول ورغم الخطوات الرسمية المهمة التي اتخذتها المملكة لحماية المجتمع من هذه الجريمة، فإن التوعية من خطر هذا السلوك ودعم الضحايا ضرورة ملحة للحفاظ على المجتمع وقيمه.

وعلى مستوى العالم العربي بدأت الأصوات تتعالى مؤخرًا على نفس النسق، للمطالبة بوقفة جادة لمواجهة التحرش، مع ظهور حالات وممارسات جديدة لم تكن معهودة ولا مقبولة بأي شكل ضمن المناخ العربي وعاداته وخصوصيته، لتخلق هذه الحالة من المطالبات وفضح المتحرشين فرصة ذهبية للتوعية بهذه الجريمة ومواجهتها.

ويُعرِّف نظام مكافحة التحرش بالمملكة هذه الجريمة بأنها: "كل قول أو فعل أو إشارة ذات مدلول جنسي تصدر من شخص تجاه أي شخص آخر يمس جسده أو عرضه أو يخدش حياءه بأي وسيلة كانت، بما في ذلك التقنية الحديثة"، وشدد النظام على تغليظ العقوبة إذا وقعت في أماكن الحوادث أو العمل.

تدمير حياة الضحايا

ويؤدي التحرش الجنسي إلى آثار نفسية متفاوتة لدى الضحايا، تكون عميقة في بعض الأحيان تُدمر حياة الضحية، خاصة إذا رافقها عنف أو وقعت من شخص قريب من الضحية، يُتوقع منه أن يكون مصدرًا للأمان، كالوالد أو الأخ على سبيل المثال.

وأظهرت دراسات أجريت على ضحايا التحرش، أنه قد يتسبب في بعض الأضرار الصحية والنفسية ومنها ارتفاع ضغط الدم، والإجهاد والتعب الجسدي الشديد، واضطرابات النوم والجهاز الهضمي والتوتر والقلق والاكتئاب والتفكير في الانتحار وكراهية النفس والآخرين، وعدم الثقة حتى في أقرب الناس، والتحول إلى شخصية عدوانية وغاضبة باستمرار، بالإضافة إلى صعوبات شديدة في ممارسة الحياة بشكل طبيعي.

خطة المواجهة

ويوضح استشاري الطب النفسي الدكتور مشعل العقيل، أن للتحرش آثار متعددة وبعضها يستمر لفترات طويلة، ولذلك فإن وجود آليات تبليغ واضحة ومعلنة ومفعلة والتشجيع على التبليغ والتعامل مع الشكاوى بخصوصية مهم جدًا، بالإضافة إلى ضرورة تثقيف الموظفات والموظفين بتلك الأنظمة والآليات المتعلقة بالتحرش باستمرار وهذا ما لا نجده في كثير من المؤسسات الحكومية والخاصة.

وأشار العقيل إلى استفتاء بسيط شمل أكثر من 3000 شخص عن معرفتهم بآلية التبليغ عن التحرش في مكان عملهم كانت نسبة الإجابة بـ(لا) صادمة، حيث بلغت (أكثر من 90%).

وللتحرش أسباب ودوافع مختلفة منها الرغبة في فرض السلطة الذكورية، أو التنشئة في بيئة يرتفع فيها العنف ضد المرأة، بالإضافة إلى بعض المشاكل في شخصية المتحرش والذي يرى في هذا السلوك مجالًا لإظهار رجولته، وكثيرًا ما يعتمد المتحرش على ضعف الضحية وخوفها.

ولمواجهة ظاهرة التحرش يرى الدكتور العقيل ضرورة محاربة هذه المشكلة وحماية الموظف والموظفة من قبل جهات العمل عن طريق التوعية بالأنظمة وتحسين الإجراءات والتعامل معها بخصوصية عالية، وتغيير النظرة السلبية تجاه المتحرَش بها، وتقديم الدعم القانوني والنفسي، وتجنب توجيه اللوم للضحية وحمايتها من أي انتقام قد يحدث بسبب مطالبتها بحقها في الشكوى، كما توجد قوانين وعقوبات صارمة في حال كانت شكوى التحرش كيدية.

عقوبات مشددة



ويوفر نظام مكافحة التحرش الحماية الكاملة لكل أفراد المجتمع من التعرض لهذه الجريمة، حيث نص على معاقبة المتحرش بالسجن لمدة تصل إلى سنتين وبغرامة تصل إلى 100 ألف ريال أو بإحدى هاتين العقوبتين، لكل من ارتكب جريمة التحرش دون الإخلال بأي عقوبة أشد تقرر عليها أحكام الشريعة الإسلامية أو عقوبة أشد ينص عليها نظام آخر.

وتصل العقوبة إلى 5 أعوام وغرامة 300 ألف ريال عند العودة للجريمة، أو في حال إذا كانت ضد طفل أو شخص من ذوي الاحتياجات الخاصة، أو إذا كان للجاني سلطة مباشرة على المجني عليه، أو إذا وقعت الجريمة في مكان عمل أو دراسة أو إيواء أو رعاية، أو إذا كان الجاني والمجني من جنس واحد، وإذا كان المجني عليه فاقدًا للوعي، وكذلك إذا وقعت الجريمة في وقت أزمات أو كوارث أو حوادث.

وأكدت المادة الثالثة على أنه لا يَحُول تنازل المجني عليه أو عدم تقديم شكوى دون حق الجهات المختصة نظامًا في اتخاذ ما تراه محققا للمصلحة العامة، ولمنع التلاعب بالبلاغات نصَّ النظام على معاقبة من يقدم بلاغا كيديًّا.

ولحماية الضحايا وتجنب تداول ما تعرضن له، أوجب النظام على كل من يطلع بحكم عمله على معلومات عن أي من حالات التحرش بالمحافظة على سرية المعلومات، ولا يجوز الإفصاح عن هوية المجني عليه إلا في الحالات التي تستلزمها إجراءات الاستدلال أو التحقيق أو المحاكمة.

وأوجب النظام على الجهات المعنية في القطاع الحكومي والأهلي وضع التدابير اللازمة للوقاية من التحرش ومكافحته في إطار بيئة العمل على أن يشمل آلية تلقي الشكوى داخل الجهة، والإجراءات اللازمة للتأكد من صحة الشكوى وجديتها بما يحافظ على سريتها، ونشر التدابير اللازمة وتعريف منسوبي الجهات بها، حيث يجب على كل الجهات المعنية في القطاعين الحكومي والأهلي مساءلة أي من منسوبيها تأديبيًّا في حالة مخالفته أيا من الأحكام المنصوص عليها في نظام التحرش، ولا تُخِّل المساءلة التأديبية بحق المجني عليه في تقديم شكوى أمام الجهات المختصة.

وعلى الرغم مما مثله إطلاق نظام مكافحة جريمة التحرش من نقلة كبيرة في مواجهة هذه الجريمة، إلا أن دور التوعية لا زال ضروريًّا لتعريف جميع فئات المجتمع بخطورة هذا الفعل وتوعية الضحايا بطرق الإبلاغ والحصول على حقهم، والتصدي لكل من يقوم بتوجيه اللوم للضحايا.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store