Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. عائشة عباس نتو

وصفة حياة!

مزامير

A A
أيها العام الصعب، الطويل الممل، شارفتَ على الانتهاء، بعد أن عشناك سجنًا ذاتيًا وخوفًا متكررًا، وأنباء عن الموت هنا وهناك.. هكذا مضيت وتمضي في أيامك الأخيرة صعبًا وموحشًا علينا وعلى العالم.

نعم كنت موجعًا حد البكاء، وهكذا ستظل في الذاكرة عامًا للفقد.. تركت ندوباً في الروح، ومواقف لا تمحوها الذاكرة.. من مصائبك الموجعة ما فاجأني به طبيبي الدكتور نزيه، بينما نحن في غرفة الكشف.. رن جواله، فاستأذن ليرد على مكالمة، وإذا بها تحمل خبر فقد عزيز.. عاد الدكتور نزيه يكتب الأدوية، وخاطبني بهدوء حزين: «ماتت شقيقتي بالكورونا ياعائشة، رحلت وتركت لي الألم في القلب».

كنت أعيش الحرج في زيارة طبيب كشف على مريضه، وكتب وصفات الدواء، وهو في مثل هذه الحالة النفسية.. غادرت غرفة الكشف والممرضة تنادى على مريض آخر.

كيف لهذا الطبيب أن يكمل عمله؟!

نعم إنه الكادر الصحي في عالم الكورونا الذي ظل مطرًا يهطل علينا كلما اشتد بنا عطش الحياة، يرسم دربًا أخضر، حينما تسد كل الدروب.. لا زالت وصفة الدكتور نزيه طازجة على أصابع يدي، أقبض عليها وأفك طلاسمها.

توقفت لبرهة أتأمل المريض الذى يدخل غرفة كشف الدكتور نزيه.. كنت أراقبه وأتمتم هل المريض سيعرف أن الدكتور نزيه في حالة فقدان؟ بل كم نزيه بيننا يمارس عمله وواجباته، بينما يئن من وطأة الفقد والخوف معًا.

إيه أيها العام الطويل الكئيب، مازلت جاثماً على الصدر، بكل ما فيك من قسوة، ولا أدري إن كان في الأيام المتبقية من السنة مفاجآت حزينة أخرى، غير أنني أقسمت أن أكتب عن أبطال الصحة، وأقسمت أيضاً أن أمضي نحو عام جديد يشرق على قلبي الحزين.. سأنهض وأكتب وصفة الحياة كما فعل الطبيب نزيه، وأستقبل ما تبقي من أحباء العمر، أشاطرهم السلام والكلام!

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store