Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
طارق علي فدعق

737

A A
طائرة البوينج 737 هي الأكثر مبيعاً في تاريخ الطيران التجاري. منذ تقديمها لعالم النقل الجوي عام 1968، تم بيع حوالي عشرة آلاف وستمائة طائرة بأكثر من خمسة عشر طرازاً مختلفاً في أربعة أجيال. وبالرغم من تألقها الفني والاقتصادي، فقد تعرضت للهجوم الشرس في الآونة الأخيرة بسبب مشاكل في أحدث أجيالها ويدعى «الماكس»، وذلك بسبب حادثين تسببا في مقتل 346 إنساناً في أكتوبر 2018 في أندونيسيا ومارس 2019 في إثيوبيا. ولكن بالرغم مما تعرضت له الطائرة من هجمات، فهي تستحق وقفة تأمل لأنها كانت سابقة لزمانها. بعدما سطع نجم شركة البوينج الأمريكية في مطلع الستينيات الميلادية في القرن العشرين بطائرتها النفاثة من طراز 707 للمدى الطويل، قررت الشركة الخوض في تطوير طائرة تجارية نفاثة للمدى القصير بحمولة مائة راكب فقط، وأطلق عليها لقب طفل الشركة أو «البيبي بوينج». وبدلاً من تطويع الأفكار الهندسية السائدة عالمياً، جاء تصميمها بالأفكار الإبداعية. وعلى سبيل المثال كانت إحدى الأفكار الهندسية الرائجة عالمياً، والمجربة في التصميم الهندسي آنذاك هي «تعشيق» محركات الطائرة في الجناح... وقد صممت معظم الطائرات الناجحة بأخذ هذا المبدأ. وفي الواقع صممت أول طائرة نفاثة تجارية في التاريخ وهي «الكوميت» الإنجليزية على هذا الأساس في عام 1949. وتبعتها الطائرة النفاثة السوفيتية «التوبولوف 104» بنفس الفلسفة عام 1955. ولكن في شركة بوينج نبعت فكرة مختلفة تماماً وهي تعليق المحرك من الجناح. وكانت نابعة من مبدأ إبعاد مخاطر الاهتزازات والحرائق عن هيكل الجناح.. وهناك المزيد، ففلسفة التصميم الثانية للطائرات في تلك الحقبة الزمنية كانت تعمد إلى وضع المحركات بعيداً عن الجناح بالكامل في مؤخرة الطائرة بالقرب من الذيل. وكان ذلك بهدف إبعاد الضوضاء عن مقصورة الركاب، وتوفير الثبات في حالة فشل أي من المحركين. وكأمثلة نجد طائرات «الكارافيل» الفرنسية، و»الدي سي 9» الأمريكية، و»الباك 111» الإنجليزية. ولكن فلسفة البوينج الهندسية في وضع المحركات على الأجنحة أتاحت ميزات أكبر وأهمها السماح بتصميم بدن أعرض، ولذا فشكل طراز 737 كان شهيراً «بدبدوبة» الطائرات التجارية.. بدنها كان «سميناً» نسبة إلى جناحيها وطولها. وكان قطر مقصورة طائرة الركاب «الدبدوبة» يسمح بوضع ستة مقاعد بخلاف منافساتها التي كانت تستوعب لخمسة مقاعد فقط. وأدى ذلك إلى رفع حمولة الطائرة، وبالتالي الارتقاء بأدائها الاقتصادي. وهناك المزيد، فعند تعليق المحركات من الجناح تصبح أقرب إلى الأرض مما ييسر الكشف عليها وصيانتها أثناء وقوفها بين الرحلات. وكانت الطائرة تتميز «برجولها القصيرة»، أي أن الطائرة بأكملها كانت قريبة إلى الأرض مما يسر تحميل الركاب والبضائع. فضلاً الملاحظة أن الطريق الهندسي الأسهل كان اتباع التفكير السائد في ارتفاع الطائرة عن مستوى الأرض، وتعشيق المحركات في الجناح أو وضعهم في مؤخرة الطائرة، ولكنْ مهندسو الشركة قرروا الخروج عن المألوف بهدف التميز الهندسي والاقتصادي، والنتيجة أن البوينج 737 هي الوحيدة بين جميع طائرات جيلها التي لا زالت تطير إلى يومنا، بل وهي الأكثر مبيعاً في العالم اليوم.

أمنيــــــــــة

هناك ما هو أهم من كل ما جاء أعلاه، فقد كانت البوينج 737 هي عماد النقل الجوي الداخلي في سماء الوطن بدءاً من عام 1972 ولمدة حوالي ثلث قرن وقد تمت إحالتها على التقاعد. وكانت الخطوط الجوية العربية السعودية فريدة في الشرق الأوسط لأنها وفرت حوالي عشرين طائرة منها للنقل الداخلي بسلامة، وسرعة، وفعالية، وتكاليف منخفضة. أتمنى أن يدون هذا في ذاكرة تطور المملكة وأن نتذكر بالشكر والعرفان كل من شغل تلك الطائرة بتوفيق الله عز وجل.

وهو من وراء القصد.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store