Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محسن علي السهيمي

حتى لا تتمذهب المجامع اللغوية

A A
قفز إلى ذهني مباشرة -حينما أعلنت منظمة اليونسكو شعار اليوم العالمي للغة العربية لهذا العام (٢٠٢٠م) الذي جاء في صيغة تساؤل: «مجامع اللغة العربية ضرورة أم ترف؟»، كمُّ تلك المجامع اللغوية الذي ناهز الـ(١٦) مجمعًا لغويًّا ما بين واقعي وافتراضي، ورسمي وفردي، بدءًا بمجمع اللغة العربية في دمشق (١٩١٩م) وليس انتهاءً بمجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية (٢٠٢٠م) في الرياض، وقفز إلى ذهني انحياز كل جهة إلى مجمعها، وقفز إلى ذهني واقع الروابط غير المتينة بين تلك المجامع، حتى أصبحت تعمل وكأنها في جزر شبه معزولة، وقفز إلى ذهني تكدس رفوف المجامع بالكَمِّ الوافر من مخرجاتها. المجامع اللغوية تعد في حُكم الضرورة، وما دامت اللغة العربية باقية فهي بحاجة للمجامع اللغوية ما يسهم في نمو العربية واستمراريتها؛ حينما تَصقل الموجود، وتنفي الدخيل، وتجمع الفوائت، وتُفتِّق مرادفات جديدة، وتُعرِّب المصطلحات، وتترجم من الأجنبية وإليها، وتعمل على النشر، وتغوص في تاريخ اللغة لتُخرج لنا اللآلئ والدرر، وغيرها من المهام المنوطة بها والمأمولة منها، خصوصاً والعرب عرفوا المجامع اللغوية منذ بدايات الدولة العباسية زمن هارون الرشيد حينما أسس (بيت الحكمة) في بغداد وتمَّمه المأمون، فكان مركز إشعاع ومنارة في مسيرة الحضارة الإسلامية والعربية؛ حينما عُني باللغة والعلوم والتراث والترجمة. مما سبق تتأكد أهمية المجامع اللغوية العربية، لكن ما يجعل هذه الأهمية لا تقف على أرض صلبة تُوصلها لمرادها، هو تشتت جهود تلك المجامع؛ حينما ضعف بينها تنسيق الجهود وتوجيهها في مسارها المرغوب، وحينما لم تكن هناك وقفة تعزيزية قوية وقرار نافذ من الفاعل السياسي العربي، ولا دعم مالي، ولا تفعيل لنواتج المعاجم من خلال المحاضن التعليمية والتربوية والإعلامية (ومن ذلك عدم تدريس المواد الطبيعية وعلوم الطب بالعربية في جامعات أكثر الدول العربية). ولأن شعار هذا العام كان مثيرًا وماكرًا رأينا كيف كان التفاعل الفاعل معه كمًّا وكيفًا، خاصةً في المجامع اللغوية، والأندية الأدبية، وأقسام اللغة العربية، ومراكز البحث في الجامعات وغيرها، ولعلني أخص بالذكر حلقة النقاش الافتراضية التي أقامها أدبي جدة بالتعاون مع مركز التميز البحثي في اللغة العربية بجامعة الملك عبدالعزيز -لتوافق موضوعها مع مقالي- لعالِمَين لُغويين هما الدكتور محمد يعقوب تركستاني، والدكتور عياد عيد الثبيتي، وأدارها الدكتور عبدالرحمن السلمي، وكان مدار حديثها عن توحيد جهود المجامع، وتضافرها. المؤسف -كما ذكر الدكتور تركستاني- أنه مع وجود (اتحاد قائم) للمجامع اللغوية العربية، إلا أن توصياته لا يؤخذ بأكثرها، وعلى هذا (الأسف) جاء موضوع المقال؛ فنحن نرى في كل قُطر إسلامي (مؤسسة دينية)، ولكل مؤسسة توجهاتها التي لا تتقاطع مع المؤسسات الأخرى، مع أن المرجعية واحدة هي (الإسلام)؛ حتى أصبح لمواطنِي كل قُطر تَديُّنهم الذي يختلف في بعض معالمه عن تدين مواطنِي القُطر الآخر، وعلى هذا تمذهب كل قُطر، وهذا الذي أخشاه على مجامع اللغة العربية، حين تأخذ العزة كلَّ مجمع بالإثم، فيصبح لكل مجمع أتباعه الذين ينحازون له ولا يصدرون إلا عنه، وبالتالي تتفرق لُحمةُ اللغة العربية بين المجامع تبعًا لتلك الأَنَفة والانحيازات، فتصبح المجامع ذات مذاهب شتى. فلعل الحكومات العربية -على الأقل من منطلق قومي- تلتفت لهذا الأمر، فتوحد جهود المجامع؛ كي تخرج بمخرجات غير متضادة؛ حفاظًا على اللسان العربي، مع أنني أرى أن تواطؤ العرب على مجمع واحد يضم أفضل النخب العربية في اللغة وغيرها، ويحظى بتأييد الداعم السياسي العربي (إداريًّا وماليًّا وتنفيذيًّا) أجدى وأنفع من كثرة المجامع.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store