Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محسن علي السهيمي

لماذا يأنف المثقف من مظلته؟!

A A
كثيرًا ما ثَرَّبَ المثقف على غيره عدم نزوله عند ما تقتضيه المصلحة العليا، وما تنص عليه التعاليم المرعية؛ فهو يرى أن في ذلك خروجًا عن النص، وأن تلك الممارسات تُضمر وراءها رغبة في التمرد وعدم الانصياع، وأنها ما جاءت إلا بدوافع ذات أبعاد تفكيكية للُّحمة الوطنية والنسيج الاجتماعي، ولذا يرسم علامات استفهام وافرة على ذلك الخروج الذي يرى أنه ما كان له أن يكون لولا محفزات ذاتية وأخرى خارجية تقف وراءه. بدءًا، نتفق على وجاهة هذا الرأي، وصوابيته؛ فلو أن كل شخص عمل بما يهوى، وصادر التعليمات والمصالح العليا، لأصبح المجتمع في حالة من الفوضى، ولَمَا سارت الحياة سيرًا متوازنًا محققًا مصالح الجميع، غير أن الشيء الذي يكدِّر صفوَ هذا الرأي، ويجعله مجردَ تنظير لا يستند إلى واقع، وعباراتٍ تُستَجر لمجرد الاستهلاك، هو مخالفة (بعض) المثقفِين لمضامينه؛ حينما يتطلب الأمر امتثالهم لما يقتضيه ذلك الرأي الذي يريدون أن يُلزموا به غيرهم، بل ويشددون في المسألة من منطلق ديني ووطني. الذي لا يخفى علينا هو أن لكل شريحة من شرائح المجتمع مؤسسة عليا تُظلُّهم، ويتحركون في فضائها؛ من أجل وضوح الأهداف، وإتقان العمل، وتجويد المنتَج، وحماية المنضوِين تحت مظلة هذه المؤسسة العليا ورعايتهم، لكن الذي يحصل هو أن بعض المثقفِين كثيرو التذمر من بقائهم تحت ظل مؤسستهم الثقافية العليا، ويطالبون على الدوام بخروجهم ومؤسستهم الدنيا من ظل التبعية إلى شمس الاستقلالية وفضاء الحرية، وهنا تسقط تمامًا تلك التنظيرات التي شددوا عليها، وثرَّبوا على غيرهم عدم الالتزام بها والخروج من عباءتها. ها هو أحد المثقفِين -قبل أربع سنوات- ومن خلال صحيفة محلية يسخر من بعض الأدباء الذين لبوا دعوة مؤسستهم الثقافية العليا فيقول: «هل يستطيع هؤلاء الأدباء أن يخرجوا من مؤتمرهم بقرارات عمل حقيقي تعكس ما تقوله حناجرهم من مطالب إسقاط الولاية الرسمية على كتلة الثقافة؟»، مردفًا بتساؤل ثانٍ فيقول: «هل يستطيع هؤلاء المؤتمرون المطالبة بإلغاء الأندية الأدبية وجمعيات الثقافة والفنون في مقابل صفقة الحرية الفكرية والثقافية التي تحيل صناعة الثقافة إلى مؤسسات مجتمع مدني لا تلبس ثوب وإزار «الرعوية» الثقافية؟، وها هو مثقف عربي يصرح في صحيفة عربية بما هو أوضح فيقول:»إن تحرير الثقافة من هيمنة السلطة، هو تحرير للعمل الثقافي من التأطير والأدلجة وهيمنة السياسي على الثقافي»، وهذا مثال أخير لمثقف خليجي يقول في صحيفة خليجية: «الحكومات لا ترى في الثقافة أكثر من عدو ماثل ستعمل على تفاديه أو محوه أو مصادرته». إذن فالغاية هي إسقاط (الولاية الرسمية) عن الثقافة وأنشطتها وفعالياتها، ولَكُم أن تتخيلوا لو أن هذه المماحكات أتت من خارج الكتلة الثقافية، كيف سيكون حُكم المثقف عليها؟. وهكذا، فمن منطلَق الريبة والتوجس ومطالب نزع الولاية الرسمية يماحك بعض المثقفِين الحكومات، ويرون أنهم واقعون في قيودها الواثقة، ولذا يحاولون الفكاك منها مطالِبِين بالحرية المطلقة للمثقف ومؤسسته الثقافية الدنيا، ويتعامى هؤلاء عن حالة التسامح والدعم المادي والمعنوي اللافتَين اللذين تحظى بهما الثقافة والمثقفون عربيًّا مقارنة بغيرها من المؤسسات، وحين يأنف المثقف من مظلته فهناك (الخطيب والمعلم والواعظ والإعلامي...) وغيرهم سينهجون نهجه، فهل سيرى المثقف -حينَها- وجاهةً لمطلبهم، أم سيسقط عليهم أقسى مفردات التصنيف؟!. العجيب في الأمر أن الفضاء مفتوح والميادين كلها مشرعة أمام المثقف إلا ما صادم (الدين والوطن)، ولذا يرتسم السؤال عن ماهية الإبداع (الخفي) الذي لا يستطيع المثقف إنتاجه في هذا المناخ المرن، ويرى أن من مبررات إنتاجه ألا يكون تحت مظلة رسمية؟!.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store