Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محمد بشير كردي

العودة للأصول خير من التيه في المجهول

A A
من نِعَمِ المولى علينا نحن العرب أن أنزل الله القرآن الكريم على رسولنا عليه الصلاة والسلام بلغتنا العربيَّة.. نتناوله بالقراءة، ونتمعَّن في آياته وأحكامه لاتِّباع أوامره ونواهيه.. نتلو آيات منه في صلاتنا، ويرجع إليه المهتمُّون بتاريخ الحضارة واللغات وآدابها من العرب ومن غير العرب.

لغة تجاوز عمرها الثمانية آلاف سنة، وفيها أكثر من اثنتي عشر مليون كلمة.. بينما اللُّغة الإنجليزيَّة مثلًا؛ يبلغ عدد كلماتها ستُّ مئة ألف كلمة، وهي أكثر اللُّغات في عدد الكلمات بعد العربيَّة.. ومع كونها تلي العربيَّة إلَّا أنَّ عدد كلماتها لا يتجاوز الخمسة من المئة فقط من عدد كلمات لغتنا العربيَّة!

يرافق اللَّغة العربيَّة في القدم الخطُّ الحميري، وهو نظام كتابة قديم تطوَّر في اليمن ما بين القرنين التاسع والعاشر قبل الميلاد، واستعمل لوقت طويل، ومنه استنبط الخطَّ العربي بحروفه الثمانية والعشرين التي تمثِّل أول الأبجديَّات البشريَّة، وأساس جميع الخطوط العالميَّة.

يلاحظ تشابه الحروف الأبجديَّة للخطوط الهندوأروبيَّة، ومنها الإنجليزيَّة مع حروف الخط الحميري الذي ظهر قبل نحو خمسة عشر ألف عام.. ويرى بعض الباحثين أنَّ الخطَّ الحميري هو أصل الكتابة الهيروغليفيَّة.. وبهذا نستطيع القول بأنَّ اللغة العربيَّة هي أصل جميع اللغات، بدلالة أنَّ كلمة (أبجديَّة) التي يرمز لها بالأحرف العربيَّة الأُولى: ألف باء (أ-ب-ت)، هي نفسها في جميع لغات العالم؛ الأوروبيَّة؛ الإنجليزيَّة والألمانيَّة والفرنسيَّة والإيطاليَّة والإسبانيَّة، تنطق (ألفبت) مع اختلاف بسيط في نطقها.. أمَّا في الأندونيسيَّة؛ فتنطق (الفائتيم).

لغة لها عمق تاريخي وحضاري مثل لغتنا، وخطُّ كتبت به آيات القرآن الكريم، وتزيَّنت بآياته لجمال حروفه المساجد والقصور، لا شكَّ تستحقُّ منَّا هذه الأيَّام التي نعاني فيها من ركن قرآننا عند الكثيرين منَّا، وجهلهم بجمال لغتنا، المزيد من العناية والاهتمام لتكون اللُّغة الأُولى في النطق عند أطفالنا والأَولى لهم في مقاعد الدراسة وتطبيقات التقنية الحديثة.

غزتنا الخدمة المنزليَّة المستوردة من بلاد غير عربيَّة، عهدنا فيها إلى هذه العمالة الأجنبيَّة العناية بأطفالنا وتربيتهم، وأمور منازلنا ومعيشتنا ممَّا أفقد الجيل الجديد من أبنائنا النطق العربي السليم.. وفرضت علينا أجهزة التواصل الاجتماعيَّة من حاسب آلي وما شابهه اللغاتِ الأجنبيَّة لتلقِّي العلوم وبرامج الترفيه.. حبَّذا لو اقتدينا باليابانيَّين الذين يولون لغتهم وكتابتهم بالرموز المعروفة بـ(الكانجي والهيراغانا والكاتاكانا) مكانة رفيعة.. فهم يتلقُّون العلوم والمعرفة بلغتهم، يترجمون إليها كلَّ ما ينفعهم من اصدارات دور النشر العالميَّة إلى لغتهم فور خروجها من المطابع، لتكون في متناول القاريء الياباني وقت صدورها.. فهم كذلك يبدعون في رسم لوحات جماليَّة بالرموز اليابانيَّة التي يكتبون بها، ويدرِّبون عليها أطفالهم منذ الصغر.

كنَّا ونحن طلبة ندرس فنَّ الخطِّ العربي ونتعرف إلى أشكاله، ومنها على سبيل الذكر لا الحصر، الكوفي والثُّلث والفارسي والديواني.. ونحرِّر رسائلنا وواجباتنا المدرسيَّة بالقلم كما يجب لتقرأ بوضوح.. وبتحوُّلنا من التحرير اليدوي إلى التحرير الإلكتروني في مواقع الكتابة على أجهزة الحاسب الآلي، فقدنا قدرة التحرير على الورق باليد والقلم... وهذا أمر معيب لأُمَّة في قرآنها الكريم قوله تعالى: ﴿إِقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ، إِقْرَأْ وَرَبُكَ الْأَكَرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾.. فهل من عودة لإحياء القراءة والكتابة كما كنَّا عليه! وأن نقيم معارض لفنِّ الخطِّ العربي،ـ وإبداع هواة الرسم في لوحات تحمل آياتٍ قرآنيًّة وأبياتِ شعرٍ وحكمًا كما نراه على جدران المسجد النبوي الشريف في المدينة المنورَّة وسواه من مساجد تراثيَّة في بلدان العالم الإسلامي، وفي قصر الحمراء في غرناطة.. فهل من عود للأصول! وإنَّا لمنتظرون.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store