Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محمد بشير كردي

لله غاية لا تُترك.. ورضا الناس غاية لا تُدرك

A A
(تريدُ، وأريدُ والله يفعل ما يريدُ).

جملة وعظ وإرشاد تُعزى لحديث قدسي: «يَا عَبْدِي، أَنْتَ تُرِيدُ وَأَنَا أُرِيدُ، وَلَا يَكُونُ إلَّا مَا أُرِيدُ، فَإِنْ سَلَّمْتَ لِي مَا أُرِيدُ، أَعْطَيْتُك مَا تُرِيدُ، وَإِنْ لَمْ تُسَلِّمْ لِي مَا أُرِيدُ، أَتْعَبْتُك فِيمَا تُرِيدُ، وَلَا يَكُونُ إلَّا مَا أُرِيدُ».

تتردَّد على ألسنة العديدين لجبر الخواطر، والتخفيف من صدمة خسارة، وفقدان ما كان يُرتَجى من أفراد ورجال مال وأعمال من دخل لم يحصلوا عليه.. يقابل ذلك عند أهل المغرب العربي: (الله غالب)؛ اقتباسًا من قوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾..

جميل جدًّا ترديد هذه العبارات ما لم يكن القصد منها احباط الهمم والدفع لقبول الأمر الواقع، وقت تعرُّض أحدٍ لظلم خاصَّةً، كتهرُّب مدين من سدادٍ للدائن، والوفاء بما اتُّفق عليه بين فريقين وسواه.

كثر سماعنا مثل هذه العبارات، ومجتمعاتنا كالعالم قاطبة تعاني من الكساد الاقتصادي، وارتفاع نسب البطالة، وندرة ما في أيد الغالبيَّة من الناس من مالٍ لتدبُّر نفقات المعيشة.. فتراهم ينحون باللائمة على الكورونا، محمِّلينها الذنب في كلَّ ما حصل ويحصل، وما قد يحصل في المستقبل.. وترتفع الوتيرة بازدياد ظاهرة تفشِّي الفقر، وتقلُّص الطبقة المتوسطَّة في العديد من بلدان العالم الثالث، بما فيها بلدان الجوار، مع تلقَّي بعض تلك الدول مساعدات نقديَّة وعينيَّة من دول ومنظَّمات إنسانيَّة قادرة على تقديم العون والمساعدة على تعدد أشكالها.. وغالبًا ما تذهب تلك المساعدات النقديَّة إلى جيوب زعماء الطوائف السياسيَّة والمذهبيَّة وأعوانهم، والمساعدات العينيَّة إلى مخازنهم، لتعرض لاحقًا في (السوق السوداء)؛ فيزداد الأغنياء غنًى والفقراء فقرًا، مصداقًا للقول، بأنَّه كلَّما زاد عدد الفقراء، ازداد عدد الأغنياء وتقلَّصت الطبقة المتوسطة التي تمثِّل غالبًا ما تشكِّل الأغلبية من السكان. حالات كهذه، أتى عليها قوله تعالى في محكم التنزيل: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾، حاضًّا وداعيًا إلى مكافحة الفساد بأشكاله كافَّة، والتضييق على الفاسدين، ليعود المال العام المنهوب إلى مستحقِّيه.. وهذا ما يأخذ به خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- بإحالته العديد من عِلية القوم إلى التحقيق لإثبات مصادر ثرواتهم، واستعادة ما سلبوه من المال العام لخزينة الدولة التي تتولَّى الصرف على خطط مشاريع التنمية التي بدأت تعطي ثمارها، وستكتمل بعونه تعالى عام 2030.. تنمية تتمشَّى مع خطَّة التنمية المستدامة لعام 2030 التي تمَّ اعتمادها في سبتمبر 2015 من جميع الدول الأعضاء في الأمم المتَّحدة بهدف القضاء على الفقر، ومكافحة عدم المساواة، وتغير المناخ على مدى السنوات الخمس عشرة المقبلة.

تتألَّف الخطَّة من أربعة عناصر هي: (الإعلان، وأهداف التنمية المستدامة، ووسائل التنفيذ والشراكة العالميَّة، والمتابعة والاستعراض).. وبعزيمة أولي الأمر في بلد الحرمين الشريفين، قطعت المملكة أشواطًا غير مسبوقة للتجاوب مع خطَّة التنمية المستدامة لعام 2030، لتوفير حياة أفضل لجميع سكَّان المملكة؛ قوامها العدل وتكافؤ الفرص ومزيد من الرفاهية بشمول التأمينات الاجتماعيَّة والصحيَّة جميع سكَّان المملكة، وتقديم اعانات شهريَّة للأرامل والأيتام والأسر التي لا يرتقي دخلها ومتطلَّبات تكاليف المعيشة.. ومع كلِّ هذا، ما تزال تصدر عن الحاسدين والمضلِّلين تعليقات تشكِّك في مسارات هذه الخطَّة التنموية؛ دافعها الحسد، وربَّما عدم التفقَّه فيما تعنيه التنمية المستدامة من خير وعطاء للأجيال القادمة.. وقد رفعت المملكة إلى مصاف الدول التي تتمتَّع شعوبها بأرقى الخدمات الاجتماعيَة.. فلا غرابة في هذا التشكيك.. (فرضا الناس غاية لا تدرك، ورضا الله غاية لا تترك). وقد أمرنا ربُّنا جلَّ جلاله بالتعاون على البر والتقوى.. وليس هناك برٌّ ولا تقوى تفوق خدمة الحاكم لشعبه، والرئيس لمرؤوسيه، وربُّ الأسرة لأفراد أسرته.. وصدق رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام في قوله: (كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ).

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store