Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
عبدالرحمن عربي المغربي

جدة العتيقة.. سيمفونية حالمة

A A
في هذه المدينة التاريخية، تعود الذاكرة بنا إلى قوافل الحكايات والروايات التي نسجت تفاصيلها البعيدة لترسم لوحة فنية اجتماعية من المنظومة الحياتية.. جدة العتيقة وهواؤها المعجون بالتراث وأبناؤها الذين كانوا يلعبون بين أزقتها المتعرجة يكتبون فوق جدرانها عبارات تؤرخ ذكرياتهم الطفولية وكأنهم يخاطبون الحنين البعيد في صورة قصة حب للتاريخ الذي يتذكرونه الآن لمن عاشوا تلك الفترة الزمنية وذلك بعد عودتهم من رحلة لصيد السمك أو بعد انتهاء دوري لكرة القدم، وقد كانوا يصممون جدول مبارياتهم في ملاعب لم تكن مهيأة لحركاتهم الرياضية الرشيقة. هنا في هذه المدينة أثر وروح من حضر، هنا رأيت أدبيات ورمزيات أولئك الذين رحلوا وبعض مدونات ووقفات من رافقتهم، هنا محط القوافل، وهنا الشيء وكل شيء، هذه المدينة فيها الحكايات بين الأزقة والحارات، هنا حنان المكان ولطف الإنسان، هنا مدونات ووقفات إجتماعية وحضارية وتاريخية، هنا الثقافة واللطافة، هنا جدة العتيقة والمشرقة، وكنا نسمع الأسطورة التي تقول بأن أم البشر حواء سكنتها ودفنت في أرضها، هنا في جدة كل الحياة، شارع قابل وسوق الندى، والمظلوم، والشام، والبحر، واليمن، وشاطئ أبحر ٠٠ هنا صوت المفردة الحجازية (ثريا قابل)، صوت جدة التي ولدت بين رواشين وحواري جدة التاريخية، كان ميلادها يُشبه سيمفونية حالمة.. ميلاد يُشبه تحليق الفراشات حول الضوء، وكأن صوت صرخاتها المتقطع وقتها كانت تحاول من خلاله أن تقول شيئًا ما.. كانت طفلة بحضورها للدنيا، تعلَّمت المشي فوق سطح رخام أبجدية اللغة، لتقف على ناصية الكلمة التي أصبحت بعدها سيّدتها الأولى، لقّبها الأديب السعودي الكبير «محمد حسن عواد» بخنساء القرن العشرين، وتغنّى لها أشهر الفنانين بعد أن تجاوزت بموهبتها الشعرية المتميزة والفريدة كل العقبات التي كانت تتعثر فيها المرأة في ذلك الوقت، فقد كانت تتجاوز المحاذير المجتمعية بهدوء، لأنها أرادت التحدي والمواجهة، ولذلك لم يصاحب حضورها ضجيج، وكان لصوت موهبتها العبور الذي يمكن وصفه بتسلل خيوط الفجر إلى النوافذ العتيقة المنسدلة الستائر واستطاعت أن تكون صوت المرأة السعودية الحاضر بأناقة الكلمات، وإعادة الهيبة للمفردة الحجازية الجميلة بكلماتها الغنائية٠

رسالة..

يقول حمزة شحاته في قصيدة (جدة) التي تنبض حنيناً لهذه المدينة الحالمة:

النهى بين شاطئيك غريق

والهوى فيك حالم ما يفيق

ورؤى الحب في رحابك شتى

يستفز الأسير منها الطليق

إيه يا فتنة الحياة لصب

عهده في هواك عهد وثيق

ويذوب الجمال في لهب الحب

إذا آب وهو فيك غريق

فيك من بحرك الترفق والعنف

ومن أفقك المدى والبريق

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store