Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
عبدالله الجميلي

صحافتنا بعد الإيميلية.. تنتظر قطار التطوير

A A
* عشقتُ الصحافة «طفلاً صغيراً»، كان رغم محدودية دخل أسرته لا يكتفي بشراء صحافة الصباح، بل كان يقطع على قَدميه عدة كيلو مترات مساء كلّ يوم وصولاً إلى تلك (البقالة) التي تبيع (جريدة المسائية).

* ذلك العشق قادني إلى قراءة عشرات الكتب والدراسات والأبحاث في مختلف المجالات الإعلامية، ثم إضافة إلى «الدراسة الأكاديمية» تسلَّحتُ بالعديد من الدورات التدريبية في كبريات المؤسسات الصحفية داخل المملكة وخارجها، ومن كلِّ ذلك خرجت بثوابت تقوم عليها (صاحبة الجلالة الصحافة)، يعتنقها ويؤمنُ بها المُمارسون العشّاق لهذه المهنة المقدَّسة في الحضارة الإنسانية.

* ومن تلك الثوابت: أنها مهنة المتاعب؛ فالصحفيون وحدهم لا يسكنون المكاتب، بل ساحة جهادهم الميدان، وما يحيط به من مخاطر وتحديات وصعوبات قَاسية، أمّا عمود «الصحافة» فالمصداقية، فلا خبر أو تقرير أو تحقيق إلا ركيزته مصادر موثوقة، وسنامُها الاستماع للرأي والرأي الآخر؛ ولذا فمن مسلّماتها أنها سلطة رابعة تراقب بحيادية وإيجابية السلطات الثّلاث الأخرى (التشريعية، والقضائية، والتّنفيذية).

* كان هذا حال إعلامنا وصحافتنا السعودية التي قَدّم روادها خلال عقود خلَت تجارب مميزة خدمت الوطن وساهمت في تنميته، ولكن قبل سنوات ومع قلة الموارد المالية التي ضربت المؤسسات الصحفية، تخلت بعضها عَن الصَّحفيّين الحقيقيين، وبدأت الاستعانة بغير المتخصصين بِنظام المكافآت القَطَّاعيّة؛ ومعها تدخلت المحسوبية؛ لِتُصبح الصحافة مهنة مَن لا مِهنة له.

* جرَّاء ذلك ظهرت في بلاط صحافتنا (الأخبار الفَاكسيّة) التي تبعثها المؤسسات الحكومية وغيرها مِن الجهات إلى (المُستَصْحفين) الذين يضعون عليها أسماءهم فقط، ثَمّ تطورت (نظرية الفَاكْسيّة) إلى (الإِيمِيّليّة)؛ فَصُنعت علاقة غير سَوية من الناحية المهنية قائمة على المصالح المشتركة والسفَرِيْات بين (أولئك المُستَصْحفِين)، ومسؤولي بعض المؤسسات الخدمية؛ فتجلت لغة التّطبيل، ومَات النقد الهادف البناء والصادق في بعض تلك الصحف، وأطَلّ الكَذب والتّزييف، مما ساهم في غياب الحقائق، وصناعة الشائعات والترويج لها!!.

* وهنا وطننا -ولله الحمد- يعيش هذه الأيام عصراً فريداً من المنجزات، ورؤية مستقبلية تبحث عن تحقيق الطموحات، ومحطة استثنائية من الشَّفافية، ورصد التّجَاوزات؛ وبالتأكيد تبقى لمؤسساتنا الصحافية والإعلامية -رغم تلك الثغرات التي اخترقت بعضها- رسالتها الأهمّ وإضاءاتها وأبناؤها المخلصون القادرون على مواكبة هذه المرحلة الذهبية بتسليط الضوء على الصفحات الإيجابية، وكشف اللِّثام عن الزوايا المظلمة هنا وهناك؛ ولكنهم فقط يتطلعون إلى وصول قطار الدّعم والتطوير والتغيير إلى مؤسساتهم؛ فهي ليست مجرد كيانات عابرة أو هامشية بل ذاكرة وطَن وتاريخ مجتمع ومستقبله.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store