Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
طارق علي فدعق

داكوتـــا

A A
«الداكوتا» هي «أم» الطائرات التجارية.. غيرت الطيران التجاري بطرق نلمسها إلى اليوم، وبالذات في مفهوم الأداء، والسلامة، والراحة، والاقتصاد.. وقد تحولت ذاكرة الأجواء في العالم بأكمله بسببها. وكانت أكثر طائرة تجارية انتشاراً في التاريخ إذ وصل عددها إلى أكثر من عشرة آلاف طائرة، وخدمت في معظم دول العالم. وقصَّتها بدأت منذ 85 سنة في كاليفورنيا، فكانت الولايات المتحدة في بداية السباق التجاري لحمل ركاب على طائرات نقل البريد الجوي. وتربعت آنذاك طائرة «بوينج 247» على عرش نقل الركاب. وكانت تستوعب حوالي عشرة ركاب فقط وتطير بأقصى سرعة تبلغ حوالي ثلاثمائة كلم في الساعة وعلى ارتفاع ثلاثة آلاف وخمسمائة متر. ونافستها شركة «دوجلاس» بطائرة تجارية قادرة على حمل 14 راكباً على سرعات تصل الى ثلاثمائة وأربعين كلم في الساعة وبثبات أفضل من أي طائرة تجارية أخرى. وأطلقت عليها اسم «دي سي1 « أي دوجلاس التجارية (Douglas Commercial 1 (DC1، ثم طورتها فأنتجت الطراز الثاني «دي سي 2» لتستوعب 16 سريراً في خدمة المبيت الجوي الجديد للرحلات الطويلة.. وأخيراً قامت الشركة بزيادة قُطر مقصورة الركاب لتصبح «الدي سي3». وكانت أسرع من البوينج المذكورة أعلاه وتفوقت عليها في استيعاب 24 راكباً، فأصبحت مركبة اقتصادية سريعة، وآمنة، ومريحة بدرجات تفوق جميع الطائرات الأخرى آنذاك. وتهافتت على شرائها شركات للنقل الجوي من حول العالم... ثم قامت الحرب العالمية الثانية في سبتمبر 1939 فأجرت شركة دوجلاس بعض التعديلات الفنية، وأصدرت نفس الطائرة في حلتها العسكرية باسم «سي 47». وللعلم فحرف سي يرمز الى النقل Cargo

. وأصبحت بين عشية وضحاها نجمة النقل الجوي في مجال النقل العسكري في مسارح العمليات العسكرية المختلفة. وكانت إنجلترا هي أكبر المستوردين للطائرة .

والعادة في أوروبا أن تُطلَق أسماء على الطائرات بدلاً من أرقام، فأطلقوا عليها اسم «داكوتا» وهو اسم احدى قبائل الهنود الحمر، ويطلق أيضاً على إحدى الولايات الأمريكية. ومن غرائب نجاح هذه الطائرة هي أنها أنتجت في الاتحاد السوفيتي (طراز لوزينوف إل 2) وكانت من الدول المنافسة في التقنية للولايات المتحدة.. كانت الداكوتا كالبيضة.. تدخل في جميع الأكلات.. وضمن مبدأ «خشوني ولا تنسوني» كانت عماد عمليات نقل الأفراد، وإنزال المظليين، والعمليات الخاصة، والتجسس والتنصت، ونقل المعدات، والإسعافات ونقل الجرحى، والمدفعية الجوية، وغيرها.

طيب وما أهمية هذا الموضوع بالنسبة لنا؟، في عام 1365 دشنت الداكوتا عصر الطيران المدني الحديث، فكانت طائرة الملك عبد العزيز طيب الله ثراه من هذا الطراز، وكانت بداية الخير، فشكَّلت نواة الخطوط الجوية العربية السعودية. وجميع الطائرات المدنية التي أتت من بعدها ورثت «جينات» الداكوتا بشكل أو آخر لتساهم في جعل المملكة من الدول الرائدة عالمياً في مجال النقل الجوي.

أمنيــة:

ساهمت هذه الطائرة الرائعة في ربط أطراف وطننا الغالي بمشيئة الله. ولكن هناك ما هو أهم من الطائرة نفسها وهي الكفاءات الرائعة التي شغَّلتها، وأذكر بعض أسمائهم هنا، وهم الكباتن الكرام: معالي الفريق أسعد الزهير، ومعالي المرحوم أحمد مطر، والمرحوم نهار نصار، وعاطف بخش، وهشام زارع، والمرحوم حسن بلخي، والمرحوم حسين عبد رب الرسول، والمرحوم أحمد القواسمي، ومحمد برنجي، وسارية الخطيب، وغازي باديب، وجزاع غانم، ونبيل عالم، ووحيد رضوان، وفهد الألفي، وفوزي باناجه، وعبد القادر الصويغ، وغيرهم من المخلصين الأكفاء الذين أضاءوا الطريق.

أتمنى أن يكون لدينا متحف للطيران المدني في جدة التي كانت عاصمة الطيران المدني في الوطن لنضيف إلى الكنوز المعرفية لإنجازات بلادنا في الأرض والسماء بتوفيق الله عز وجل، وهو من وراء القصد.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store